دولة السلام والقوة

حاتم الطائي

 

الدولة العمانية تسعى بالسلام إلى الجميع بلا استثناء.. وبقوة تحمي مكتسبات النهضة

"الشموخ 2" و"السيف السريع 3" يمثلان ركيزة أساسية في مسيرة العمل الوطني

الرؤية السامية تستهدف استمرار تطوير وتحديث قوات السلطان المسلحة

على امتداد مسيرتها الضاربة في أعماق التَّاريخ، كانت عُمان ولا تزال دولة سلام وتفاهم وتسامح، ولم تكن قط يومًا غير ذلك، حتى في فترات تمدد الإمبراطورية العُمانية، من الغرب الآسيوي وحتى الشرق الأفريقي، لم تنشأ هذه الدولة الكبرى على أسس من الهيمنة العسكرية، بل ارتكزت في جوهرها على التَّمدد الحضاري، والتَّوسع النهضوي، القائم على نشر الدين والعلوم وتوطيد علاقات التجارة والمصالح مع الجميع.

إننا عندما نتحدَّث عن وطننا فإننا نتحدث عن دولة السلام والقوة؛ سلام تسعى به الدولة العُمانية إلى الجميع، بلا استثناء، سلام ينبع من العقيدة الراسخة بحتميته لجميع الشعوب، وبأنَّ الاستقرار هو السبيل الوحيد لتحقيق التَّنمية والرخاء. ودولة السلام العُمانية تحتاج إلى قوة تحميه، وتُعزز من جهود دفع السلام في مُختلف القضايا، وهي قوة لا تستهدف أحدًا، بل توجه رسالة للجميع- أيًا كان- بأنَّ الدولة العُمانية تحمل راية السلام في يد، وفي اليد الأخرى تحمل السلاح الذي يذود عن حياض الوطن الطاهرة، ويحفظ ويصون مُنجزات التنمية التي تحققت على أرض الوطن بفضل السلام والاستقرار الذي تنعم به بلادنا الغالية.

نقول ذلك وقد شاهدنا بالأمس البيان العملي الميداني بالذخيرة الحيَّة الذي نفذته قوات السلطان المُسلحة والقوات المُسلحة الملكية البريطانية الصديقة، وما تضمَّنه من بيان عملي على مسرح العمليات البحري في منطقة غبة بنتوت، بجانب البيان العملي الآخر بالذخيرة الحيَّة، جواً وبراً، في منطقة الرماية الحيَّة بولاية محوت بمُحافظة الوسطى.

مشاهد حيَّة شاهدناها جميعاً، أقشعرت لها أبداننا، وعلت في نفوسنا مشاعر الفخر والانتماء لهذا التراب الوطني الغالي، وارتقت فيه أعناقنا لعَنان السماء، زهواً وفرحة بما أظهرته قوات السُّلطان المُسلحة بمختلف أفرعها وأسلحتها من بسالة وقوة، فتمازجت القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية في صورة عبقرية مُتكاملة، تعكس حُسن التنظيم وكفاءة التخطيط وجودة الأداء.

البيان العملي الميداني بجزئيه البحري من جهة، والبري الجوي من جهة أخرى، يُمثل ختامًا لفعاليات التمرين الوطني "الشموخ 2" والتمرين المُشترك "السيف السريع 3"، وهما التمرينان اللذان نفذتهما أسلحة قوات السلطان المسلحة والحرس السلطاني العماني وقوة السلطان الخاصة وشرطة عُمان السلطانية والجهات العسكرية والأمنية الأخرى والمؤسسات الحكومية المدنية، الأول في الفترة من 1-15 من أكتوبر الماضي، في حين عقد التمرين المشترك "السيف السريع 3" خلال الفترة من 17-30 أكتوبر بمُشاركة القوات المسلحة الملكية البريطانية الصديقة. التمرينان برهنا على قدرة القوات المسلحة على العمل بتكاملية وتناغم تام مع بعضها البعض، وكذلك بتعاون مُثمر ومشترك مع مختلف الجهات المدنية، ما يؤكد قدرتنا على مواجهة أي تحدٍ بكل قوة وتفاعل، وفي أزهى صور العمل الجماعي المشترك.

"الشموخ 2" و"السيف السريع 3"، يُمثلان كذلك ركيزة أساسية في مسيرة العمل الوطني؛ حيث برزت قُدرة مؤسسات الدولة على العمل في أصعب الظروف وتحت أقصى درجات الضغط، وتكلل كل ذلك بالنجاح والتميُّز، سواء في مراحل الإعداد للتمرينين والتي بدأت قبل سنوات، أو خلال عمليات التنفيذ، بمراحلها المُختلفة والمتنوعة، والتي وضعت عددا من السيناريوهات، وتفاعلت معها الأجهزة المعنية كل في إطار اختصاصاته المنوطة به.

ثمَّة أهداف وطنية عديدة تحققت خلال مراحل التمرينين، وتجلَّت فيها نتائج إيجابية مُختلفة، عكست مدى الانضباط والكفاءة القتالية العالية والتميز في تنفيذ المهام والمسؤوليات، بحس وطني عالي المستوى. فقد أظهر جنودنا البواسل احترافية عالية في التَّعامل مع جميع الأحداث المفترضة والحقيقية خلال التمرينين، فكان التَّعامل المُبهر مع سيناريوهات سقوط صاروخ باليستي على إستاد السيب الرياضي وما تلا ذلك من تحركات لقوات الدفاع المدني، وكذلك سيناريوهات التعامل مع استهداف موكب رسمي والسيطرة على الجُناة وتأمين الموكب بسلام، وأيضًا التعامل مع سيناريو الهجوم على حافلة سياح ومحاولة اختطاف رهائن وطلب فدية، وهو السيناريو الذي انتهى بنجاح القوات في تحرير الرهائن وتأمين السياح والقبض على الجُناة، إضافة إلى سيناريوهات أخرى مثل فض أعمال الشغب التي تضم مُندسين يدعون إلى الفوضى ومُهاجمة القوات، وتلك أيضًا ظهرت فيها قدرة القوات على مُواجهة مثل هذه الأعمال بحكمة واقتدار.

الخُطط التدريبية التي تمَّ وضعها وتنفيذها خلال التمرينين، أكدت مدى الجاهزية القتالية العالية التي تتميز بها قوات السُّلطان المُسلحة والأجهزة العسكرية والأمنية الأخرى، فضلاً عن إظهار القُدرة على التَّعامل مع القوات الصديقة في مثل هذه الأوقات، وهو أمر بالغ الأهمية؛ إذ يُمثل التناغم بين القوات نقطة ارتكاز أساسية في إنجاح العمل. وإضافة إلى ما سبق، سلَّط التمرينان الضوء على الدور الرائد الذي تقوم به المؤسسات الحكومية المدنية في تنفيذ خُطط التنمية، ونشر مظلة الرخاء في أنحاء البلاد.

وما يُميِّز التمرينان أنَّهما أقيما وفق القواعد العسكرية الحديثة، وهو ما يُترجم حرص القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة- حفظه الله ورعاه- على تزويد القوات المُسلحة بأحدث التقنيات والمُعدات والآليات، وتقديم كل سُبل الدعم لتنفيذ المهام والمسؤوليات المنوطة بها على أكمل وجه، وبأساليب عصرية تُواكب المُتغيرات وتأخذ بأسباب التقدم والنجاح.

ثمَّة جهود مُضنية بُذلت خلال هذين التمرينين، كشفت لنا جميعًا حجم التَّقدم الذي وصلت إليه قوات السلطان المسلحة، فكم كان مبهجًا منظر الطائرات العسكرية وهي تُحلِّق بكفاءة ومهنية منقطعة النظير في سماء الوطن، مُستعرضة قوتها العسكرية في مواجهة أية مخاطر قد يتعرَّض لها الوطن، وقد عكس ذلك أيضًا المهارة التي يتمتع بها طيارو سلاح الجو السُّلطاني العُماني، نسور الجو، وكذلك الجنود البواسل على الأرض وهم يتحركون بالدبابات الحديثة والمُدرعات وغيرها من الآليات العسكرية التي تملكها القوات المسلحة.

نتائج مهمة خرجت بها السلطنة من هذين التمرينين، يُمكن إيجازها في نقطتين بالغتي الأهمية؛ الأولى تأكيد الاستعداد الوطني لمُواجهة أية ظروف في جميع الأوقات، وجاهزية مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية للتَّعامل مع مختلف السيناريوهات والأحداث المُفترضة، بكفاءة وانضباط تام. أما النقطة الثانية فتمثلت في قدرة قواتنا المسلحة بأفرعها المُختلفة على التناغم والانسجام في العمل القتالي مع القوات البريطانية الصديقة، والاستفادة بين الجانبين وتبادل الخبرات، بما يُعزز التَّعاون العسكري القائم بين السلطنة وبريطانيا والذي بلغ لمستويات غير مسبوقة، لاسيما مع إعلان توقيع اتفاقية دفاع مُشترك بين عُمان والمملكة المُتحدة، وذلك بفضل علاقات الصداقة المُتميزة بين البلدين.

لقد كانت عُمان على مدى الأسابيع القليلة الماضية، في القلب من الاهتمام العالمي بالعديد من القضايا، سواء في الملف اليمني أو الملف الفلسطيني، تأكيدًا على جهود السلام التي تسعى السلطنة لدفعها وفق رؤية سامية ترى ضرورة إنهاء الصراعات في المنطقة. وها هي عُمان أيضًا تحظى بالاهتمام العالمي مع ختام هذه المناورة العسكرية الكبيرة مع القوات البريطانية، لتؤكد قدرتها على حماية مُقدسات الوطن وصون مكتسبات النَّهضة المُباركة.

ويبقى القول.. إنَّ دولة السلام والقوة تمضي في مسارها نحو تحقيق الخير والنماء للمواطن العُماني، وتوفير شتى سبل الرخاء لكل من يعيش على تراب الوطن المُقدس، وتتعاون من أجل ذلك مؤسسات الدولة جميعها، بقوة عسكرية لا يُستهان بها، في تكاملية مؤسساتية تترجم مستوى التَّطور الذي بلغته عُمان خلال العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المُعظم- أبقاه الله-، لاسيما ونحن نقترب من الاحتفال بالعيد الوطني الثامن والأربعين المجيد، وما تحقق على أرض السلطنة من تنمية شاملة، ونهضة غير مسبوقة، ومكانة دولية تحظى بالاحترام من الجميع.