وحدة الخليج والمصير المشترك

مدرين المكتومية

في وقت مضى كانت عبارة "خليجنا واحد ومصيرنا مشترك" تمثل عقيدة راسخة لدى جميع دول مجلس التعاون الخليجي، انطلاقاً من الموروث المشترك والعادات والتقاليد التي تجمعها وأيضًا وشائج القربى وصلات النسب والمصاهرة، ودول المجلس الست كانت جميعها أيضا على قلب رجل واحد.. فما إنّ دب الخلاف فيما بينهم، وضعنا أيدينا على قلوبنا، لكن في الوقت نفسه نبدي تفاؤلا بأنّ ثمة تفاهماتٍ وتسوياتٍ ستجري عاجلا أم آجلا.

تذكرتُ ما سبق، عندما تلقيت دعوة كريمة من أشقائنا في قطر لحضور افتتاح المعرض الدولي الثاني عشر للأمن الداخلي والدفاع المدني "مليبول قطر 2018"، فتجددت لديّ القناعة بأنّ خليجنا واحد بالفعل، فلقد سافرت إلى الدوحة ولم أشعر أنّي غادرت بلادي، تنقلت كما أتنقل بين مسقط وصحار، أو كما أذهب إلى مسندم أو صلالة أو الوسطى، فقط فارق الزمن والمسافة، دون أيّة فوارق أخرى أو إجراءات تعرقل دخولي لهذا البلد الشقيق، أو حتى تمنعني!

المشاركات الرسمية الكبيرة في هذا المعرض كانت محل انتباهي، لكن ما آثار انتباهي أكثر أنّ عددًا من دول الخليج لم تشارك، في ظل الأزمة الحالية، ما يدفعنا للتساؤل: إلى متى ستظل الأزمة تراوح مكانها؟ ومتى سينحي الأشقاء خلافاتهم جانبًا من أجل أمن وسلامة ووحدة منطقتنا؟ الإجابة بـ"قريبا" ينتظرها الجميع من شعوب دولنا الخليجية، على أمل أن تعود حركة الطيران وحرية التنقل والتجارة إلى سابق عهدها.

القطريون كما يشهد لهم الجميع، شعب مسالم ومحب للسلام، ويسعى لبناء علاقات أخوة وصداقة مع الجميع، فما بالنا بأشقائه من ذوي القربى الجغرافية والأنثربولوجية.

عندما هبطت طائرتي في الدوحة، لامست نسائم السلام روحي، وجدت شعبا طيب الخلق ومخلصا ومتفانيا في عمله، يرى علاقته بالآخر أهم من أي شيء آخر، وجدتهم ينتظرون الوقت الذي يجدون فيه "الخليج واحد" بالفعل لا بالشعارات، وأن يتم تجاوز الخلافات، فلا أحد مستفيد من هذه الأزمة، حتى الأطراف التي تعلن إصرارها على مواقفها لن تكون مستفيدة في المستقبل.. إننا نجد شعوبًا ودولا تبرم اتفاقات مصالحة تاريخية، كما حدث بين الكوريتين، أو بين إريتريا وإثيوبيا، وغيرها الكثير...

الشعب الخليجي قبل كل شيء شعب واحد، اجتمع على الخير وسيظل الخير فيه، وهذه الخلافات لم تعد في مصلحة أي بلد، فالتحديات جسيمة، والمستقبل يريد منا أن نتكاتف وأن نعمل سويا كي نحقق النجاح المشترك. علينا أن نفكر في مصالح الشعوب، خاصة وأنّ منطقتنا مستهدفة دائما من كل النواحي، الجميع يتربص بنا الدوائر، الجميع يرى فينا دولا تطفو فوق بحار من النفط والغاز، هناك من يرى فينا مصدرا لمليارات الدولارات، لذا أطلق هذه الدعوة الصادقة من مواطنة عمانية خليجية إلى قياداتنا لتجاوز الخلافات ووضع حلول سلمية وحضارية تخدم مصلحة شعوب دول الخليج.

حان الوقت لتجاوز الخلافات والأزمات والدفع نحو آفاق التنمية والبناء، الجميع بات يدرك أنّه لا خيار سوى السلام، والجميع ينشد السلام، ولذلك يأتي الباحثون عن السلام إلى العواصم الداعمة للاستقرار والنماء، فمثلا ينشد الجميع الاستفادة من الحكمة العمانية ممثلة في سلطاننا المفدى- أيّده الله- فقد رأينا زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبعد ذلك زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ وإن اختلف البعض حول جدوى الزيارة، إلا أنّها تظل ترجمة لمدى الثقة التي تبديها مختلف الأطراف، لصاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه-. فالجميع بات يعقد الآمال العريضة على حكيم العرب السلطان قابوس، وهذا بسبب النوايا الصادقة والإرادات الحاسمة لصنع السلام ودعمه، فعماننا كانت ولا تزال داعمة لأي جهود سلام في المنطقة، وقد رأينا ذلك في الملف الإيراني والسوري والليبي واليمني وأيضا في الأزمة الخليجية الراهنة.

أؤكد مجددا أنّ دول العالم تبحث عن السلام، وترى فيه فرصة مواتية لنفض غبار الخلافات والصراعات التي لم تقدم أية مكاسب، بل خسائر لا تقدر بثمن، رغم أنّ الحل سهل وبسيط؛ السلام السلام السلام.

إنني كمواطنة عمانية أعيش في منطقة الخليج، لا أجد بديلا عن الجلوس على طاولة الحوار، لمناقشة كل ما يمكن القيام به لتصحيح الأوضاع وعودة العلاقات إلى طبيعتها، فنحن قبل كل شيء يجب أن نقدم النموذج الإيجابي في التعاون، فلا أحد يملك القواسم المشتركة مثلنا حول العالم، لغتنا واحدة وديننا واحد وعاداتنا واحدة وقيمنا مشتركة، بل إنّ حتى زينا متشابه، فقط اختلاف مسميات حسب اللهجات المحلية، أو بعض الاختلافات البسيطة في التصميم. لذا علينا ألا نرضخ للوضع وألا نسمح للآخر بالتدخل فيما بيننا، خاصة وأنّ القادة جميعهم يملكون الحكمة والمقدرة على إنهاء كل الخلافات، فالحكمة التي يمتكلها القادة غيّرت الكثير في الماضي، وصنعت حضارة معاصرة ومتقدمة في مختلف المجالات، فضلا عن الأمن والأمان الذي تحياه شعوبها بعيدا عن مآسي التشرد والنزوح والهجرة غير الشرعية بحثا عن حياة أفضل، فالشعوب الخليجية تحيا في نعم عظيمة إذا ما نظرت جهة الجنوب أو الشمال أو الشرق، وحتى الغرب، فالدول العربية تعاني المشاكل الاقتصادية الطاحنة وارتفاع الأسعار ونقص الموارد، والبعض منهم يتجرع مرارات الحروب والصراعات على السلطة.. فهل ندرك حجم النعيم الذي نحياه ويستلزم الحفاظ عليه؟!

إننا منطقة تؤمن بدين السلام، وشعوب دَيدَنُنا الرضا والقناعة باليسير، إيمانا منّا بأنّ الحياة المُثلى ليست في هذه الدنيا، وإنّما في حياةٍ أخرى، فلا يجب أن ندع أنفسنا للأهواء والنفوس التي لا تكيل بميزان الحق، علينا أن نستعيد جذورنا، وأن نرفع من قيمنا التي تربينا عليها، وأن ننشر السلام فيما بيننا "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". فلنعد إلى السلام، ونتلو آياته وترانيمه فيما بيننا بأعلى صوت، كي يسمعنا القاصي والداني، ولنطلق حمائم السلام في سمائنا لتنتشر السكينة والطمأنينة والتفاؤل بمستقبل أفضل لنا وللأجيال القادمة.