الإبحار نحو الديمومة.. قراءة في نص لـ"نور الهدى الظالمي"

جمال القيسي | بغداد


متعة النص الأدبي. تكمن  في المفارقة الزمنية، ومع إن  الإحكام العلمي لمفهوم الزمن في غاية العسرة؛ ربما  فلسفيًا  يكون بالإمكان الإحاطة. بأطر عامة  لكن في نهاية الأمر؛ تبقى الفلسفة هي منظومة أسئلة لا يمكن الركون والاطمئنان إلى أجوبتها لأنها  ترهين واقتراح.
على العموم المفارقة الزمنية في النص هي الرجوع إلى الماضي على شكل استرجاعات  للذكريات من مواقف، أو القفز إلى المستقبل على شكل استباقات؛ معظمها تكون رؤيوية، ليبقى لدينا أن الزمن هو محاولة  للتنسيب في الوعي؛ إذ في حقيقة الزمن هو عبارة عن حالة وهمية لا حقيقة غير الحاضر الذي تتعامل معه الذات لمواضيعها، إذا الحقيقة الكبرى هي الأفعال والإجراءات الملموسة، أو ما ينعكس منها علينا من تأثير مباشر، أو غير مباشر؛ أي في الدخول في دائرة الحدث أو باستقبال مؤثراته  بالمحايثة.
 عندها يكون الظرف الواقعي هو المكان الذي تتواجد فيه الذات؛ المكان الذي تحدث فيه الأفعال؛ الذي  يتوجب عليه الذات  في  التفاعل مع الموضوع ، وهذه الذات التي تنطوي على "الملكة الاولى" وفق عمانؤيل كانط.
لا نذهب هنا إلى إلغاء الزمن، بيد أن ما أروم قوله: إن الزمن متلازمة مفهومية، مع فعالية الوعي؛ فالذات الواعية الباحثة عن الأسئلة الوجودية (لماذا وجدنا؟، وماهو العمل وماهي حقيقتنا؟ وإلى أين المصير؟)، منهمكة في اشتغال دؤوب في هذا المنحى؛ إذا الزمن هو الاشتغال الأساس، والرئيس في النص الأدبي، وهو بذلك يصنع التاريخانية (أي بتدخل الوعي في صناعة الحراك  التاريخي).
مما تقدم أردت أن أشير في محاولة مني لمسك هذه الفعالية؛ فالامتداد من الرهونية أي اللحظة الحالية إلى وقائع ماضية أو مقبلة تحدث في المخيال وفي وعي النص لدرجة أنها تصنع فائضا زمنيا هذه الفعالية أنا أسميها "التزمين"؛ أي إضفاء تاريخ خيالي لأحداث وقعت أو ستقع  ومجمل الفعالية تحدث في عالم النص، وهذه الفعالية حركيّة  وليست سكونية كما تحدث في اللغة.
وفي نصوص جميلة كما يحدث في هذا النص للشاعرة هناك تزمين  بدائرة مغلقة من الترهينات    
تستعيد  الشاعرة هنا السيرة الأولى في رحلة الخلق تصنع بذكاء وعي يمتد منذ الومضة الأولى بالرغبة إلى مرحلة الوعي الحيمنية انطلاقا بالتعبير عن  سؤال الحرية في الكون الرحمي هي  غير مباركة لكونها أنثى من قِبل أبيها؛ لكن أمها  تشعل البخور تتذكر سيرتها من خلال عبورها النهر الأول إنها إرادة الحياة التي  يقابلها الرفض الشرقي الذكوري للأنوثة. لكنها عبرت الصحراء وثقلها الموروث منذ الجاهلية إلى اللحظة الحالية تخطت الكثير ووعيها تضخم  ولازال صوت أبيها يصدح بإنهاء النص وتجيبه أغلق عينيك، نعم  أنْهِ سردياتك العقيمة، حتى أنهي فروضي.
وملاحظة مهمة طريقة اشتغالها على الأمكنة مع قلة المعطيات إلا أنها خلقت عالمًا واسع في فضاء الرحم ، وهو كوننا الأول؛ هي تجربة لافتة ومبهرة، ومرادفة لتجربة أسعد الجبوري، مع إنها  تعبر بصدق فطري يخلو من التعقيد.
***
النص الشعريّ المقروء نقديا:
.......
النافذةُ
التي عَصَت جدرانَها
وأَدخلتْنا ..
ضَوؤُها الشفيفُ
قال حَلِّقا،
لكنّ أبي،
ظَلّ يصيح ورائي..
كانت الريح تُقهقرني ،
والفراشات ..
تدفعك للمضي .
النافذة
التي أدخلتنا
ظل أبي يعاتبها،
بينما أمي تشعل البخور
وتصلي.
كنت تركض سافراً
لا يثقلك نصٌّ أو فلسفة،
عبرت النهر َ الأول،
بعد أن حَولتك الآلهة سمكةً
ثمّ اجتزت الصحراء
بصهيل معلقاتك،
وها أنت..
تقطع المدنَ
بفلسفةٍ مُدخّنة .
كان صوتك مُجلجِلا ،
وهو يردد بعنف:
"أن العالم دائرة"
بينما يناديني أبي
أن أرجع َ و أُنهيَ النصَّ..
لكنْ
حقاً!
كيف أغلق النصَّ،
وعيناك
مَفتُوحَتان.

تعليق عبر الفيس بوك