فاتورة النجاح باهظة؛ لكنْ اسألْ: مَنْ أنتَ؟

تهى العبري| سلطنة عُمان


قد يصادف في الحياة أن تكون في مكان شبه مقطوع وتريد تحديد اتجاه القبلة للصلاة فتستخدم هاتفك النقّال، أو البرنامج الخاص لتحديدها؛ ولكن هل فكرت يوماً أن تحدد اتجاه نفسك في حياتك؟ قفْ لوهلة مع نفسك وانظر حولك ومن ثَم حدد موقعك، حدد اتجاهك ومدى قربك وبعد من أهدافك في الحياة، بعدها وازنْ قاربك وجدّف بدقة وفق خارطة مرسومة لترسو على شاطئ النجاح وتحقيق والأمل الذي تمنيته.
كلٌ منا قطع شوطاً من حياته وقد سجل شريطا حافلا بمواقف وذكريات بعضها ما جعلت منك إنساناً ذا علم ومكانة في مجتمعك، ومنها ما جعلت النار تلتهب داخلك ندماً وحسرةً على سوء تصرف، أو قلة وعي واهتمام وضياع للفرص. إذاً فأين أنت اليوم؟ وهل أنت راضٍ عما حققت أم ما زال بداخلك دافع حسي يجرك للعطاء والكفاح؟
قد تحس للحظة أن أحلامك قد سقطت في بئر يوسف لكن كُن على يقين أن قافلة العزيز سوف تأتيك. من هذه اللحظة احلم وتمنَ حتى تحقق، وثابر واجتهد حتى تصل، ابنِ جسرك لتعبرَ به من الماضي إلى الحاضر، توكل على الله وثابر وكافح  بحماس وثقة بقدراتك ومواهبك وبرغبة فهي بداية النجاح.
فالرغبة في النجاح تتبعها دوافع وهي أنواع؛ أولها دافعية البقاء وهو إشباع الإنسان نفسه باحتياجاته الأساسية لتبقيه حيًّا من مأكل ومشرب وغيره، والثاني دوافع خارجية وهي ما ينتظره الفرد من مدح وثناء وإعجاب من الناس بغض النظر سواء أكان متواكباً مع متطلباته أو ظروفه حتى لو اضطر للتصنع لإرضائهم وهذا أسوأ أنواع الدوافع؛ فهو يدمر شخصية وثقة الفرد في ما يخطو إليه. أما النوع الثالث من الدافعية فهي داخلية؛ وهذه تنبعث من قرار الشخص من داخله وبأنه قادر وسيفعل وسيصل.
يقول كريستوفر فورمورلى: "النجاح الوحيد في الحياة أن تستطيع أن تحيا حياتك بالطريقة التي تريدها".. هيا ابدأ بصياغة أهدافك وما ترغب في تحقيقه، واكتب أهدافك بوضوح، وشارك كل حواسك في صياغتها واربطها بوقت معين لإتمامها، ثم تحكم في عملية تنفيذها وبنفسك، لاتجعل المحبطين والحاقدين يُفسدون عليك تحقيق سعادتك فكثيرٌ منهم فاشلون، ويريدونك نسخةً منهم.. هيّا الآن.. ارسم خارطة مستقبلك وماذا ستحقق حتى وإن حققت جزاءً منها فأنت متمكن، ما دام أنك حددت ما تريد.
يُحكى أن طبيباً نفسياً عجز عن علاج مريض بشتّى الطرق فزارته فكرة بسيطة غيّرت كل المسارات، حيث أخبر المريض أن هناك عقاراً جديداً تم اكتشافه والشفاء من المرض خلال 24 ساعة، فتشجع المريض وفعلاً شفي تماماً رغم أن الدواء كان عبارة عن مسكن للألم!! فما السبب؟
هذا ما نسميه الاعتقاد الذاتي الذي تزرعه داخلك، فأنت عندما تؤمن بقدراتك، وترسم في مخيلتك واقعك وتتصوّر نتائجك  لمستقبلك وستكون كذلك، ودائماً ردِّد : أنا قادر ، أنا أثق في نفسي وبقدرتي على النجاح، وسترى الشعور الجديد الذي ينبعث من داخلك وليس فقط في تحقيق الأهداف، استخدم هذه القاعدة في كل أمور حياتك الاجتماعية وسترى بنفسك.
من هنا بعد أن بنيت جسرك ووضعت النقاط على الحروف، تذكَّرْ أن هناك مخلوقًا غريب الأطوار يُسمى عدو النجاح، وأكثرهم من الأقرباء وزملاء العمل، فهم لا يفرحون لنجاحك ولايشاركونك، رغم المعزة والاحترام الذي تكنها لهم، فيحاولون الانتقاص والانتقاد بشتى السبل. ولكن لا عليك، اجعلْ هذا المخلوق بعيداً ولا تجعله يؤثر في مسارك وامضِ قدماً، وكما قال الشاعر:
"حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه *** فالقوم أعداءٌ له وخصومُ"
ويدخل جانب القدرات والإمكانات في تحقيق هذه الأهداف لأي فرد، فكلما وظّفت إمكاناتك بطريقة صحيحة وفق المعطيات المتوفرة كانت النتيجة لك وللمجتمع، فالمجتمعات تقاس بالناس وكيف هم يتشكلون، وماذا يحققون؟
فالتنمية البشرية مهمة وهذا يتطلب أن يحدد كل فرد منا مهاراته وميوله وقدراته ومن ثم تقديرها والاهتمام بها من خلال التدريب والتعليم المستمر. قد لا تجد بيئة العمل التي تحتضن هذه الإمكانات وتقدّرها وتوظفها بطريقة منتجة للعمل ولأسباب قد تكون واضحة للعيان كأزمات تمر بها طبقاً للوضع الاقتصادي الذي نعيشه هذه الأيام وقد تكون لأسباب شخصية، لا هدف واضح وراءها. ولكن احترم ذاتك واحترم إمكانياتك، فلا تستصغر ولا تُهمل، فأنت تمتلك وتقدِّر، فقط رتِّب أولوياتك في حياتك وفقَ ظروفك خارج النطاق الخارجي المحيط بك.
واعلَمْ أنه لا تخلو جعبة أحد منا من أسراب الأحلام التي تتطاير وتحاول أن ترسو على البر لتستقر وتحقق الهدف، ولا أعلم هذا الحلم الذي في عقلك كم خاب أملك وأنت تحاول تحقيقه ولكن يجب أن تعلم أن مهمة تحقيقه صعبة وتحتاج إلى صبر ومثابرة وتضحيات واستمرار وحزم وثبات لتواصل وتصل، فستمرُّ بظروفِ خيبات وإحباط وانتقاد ويأس ولكن الثقة بالنفس وبالقدرات والإمكانيات وبالتوكّل على الله ستمضي.
هكذا هم الناجحون يستطيعون جمع شتاتهم وتسليطها على قضية معينة، بعدها تنبثق كل الطاقات ويتضاعف الجهد لتحقيق المراد، فلا تتنازل عن أحلامك وطموحاتك بسهولة ولعائقٍ (ما)؛ بل حارب لأجلها بقوة الإرادة لتنجح، فجميل أن يكون لك حلم وتسعى لتحقيقه فهذا وحده يعطيك متعة لا تُقارن، وعندما تزداد صعوبة تحقيقه يكون أكثر إمتاعًا.

تعليق عبر الفيس بوك