السمع والبصر والفؤاد (3)


محمد عبد العظيم العجمي | مصر


نلاحظ أن القرآن كما يفرق بين درجات السمع، يصنف كذلك درجات النظر، فيفرق بين " النظر، والرؤية، والبصر، والبصيرة "، فالنظر: هو كل ما يقع في مجال رؤية العين من الصور والشخوصات، فإذا وقف النظر على شيء فقد رآه، قال (الفخر الرازي) في تفسير قوله: "وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ" الأعراف ، "وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ غَيْرُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ النَّظَرَ وَنَفَى الرُّؤْيَةَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّغَايُرِ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ فَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَحْسَبُهُمْ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ مَعَ أَنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَنْظُرُونَ، أَيْ تَظُنُّ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَكَ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يُبْصِرُونَكَ "، وفي قوله تعالى :" رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ" [الْأَعْرَافِ: 143]، يثبت أن النظر غير الرؤية وهي تأتي بعده ، وتقول العرب: نظرت فلم أر شيئا ، ويقال " لو نظرت لرأيت"..
 فإذا كان الرؤية للتأمل والتدبر وإدراك ماهية صورة أو آية كونية فقد أبصر، فإذا انفعل مع الصورة واكتمل معه الفهم  والإدراك بعد الاتصال بالقلب والتأثر فتلك هي البصيرة ، فإذا انقطع الرافد بين القلب والبصر فلم يدرك القلب الآيات ولم يستطع تدبر ما يرد إليه من البصر صار القلب في عمى والبصيرة معه..
ولذلك نفى القرآن العمى عن الأبصار وجعله للقلب فقال " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)الحج، قَالَ قَتَادَةُ:" الْبَصَرُ الظَّاهِرُ بُلْغةٌ وَمُتْعَةٌ وَبَصَرُ الْقَلْبِ هُوَ الْبَصَرُ النَّافِعُ."، فلا يزال البصر في أداء وظيفته وإدراك آيات الله والقلب في إعراض وإنكار حتى يصبح القلب في عمى عن إدراك ما يرد إليه من البصر، وإذا كان هذا عقاب من الله جزاء ما قدم الإنسان من كفر الحق وجحد الآيات حيث كانت آلة البصر مفعلة بفطرتها ، فأرغمت على التعطيل مرارا حتى طبع عليها بالغشاوة فصارت كأن لم تكن "وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)الأعراف.
وينعي القرآن على من أغفل النظر عما في السموات والأرض من آيات، كما يستعمى ويصم عن آيات الكتاب التي جاءت موافقة لآيات الكون، فبأي حديث بعد الله وآياته يمكن أن يؤمنوا ؟!!" أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)الأعراف، ولا يستطيع البصر مهما عاود الكرة إنكار الآيات الكونية المبهرة ، ولا يبوء إلا بالحسرة بعد إرجاع البصر وتكراره في آي السموات الطباق، إذ لا يرى فيها من صدوع أو فروج .. "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)" الملك.
 ومرجع الفهم في الألفاظ هو السياق الذي ترد فيه اللفظة ، فقد يأتي الأمر القرآني (بالنظر) أي بمعنى توقف النظر للتبصر والتأمل والاعتبار "قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)يونس،  وقد يعني بالرؤية العلم " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل (1)" الفيل ، وقوله " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " البقرة ، وقد يأتي البصر كذلك بمعنى الرؤية والعلم كما في قوله "فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)القلم، أي سترى ويرون أو ستعلم ويعلمون ..
ومدار الأمر كله يدور بين الحواس وبين القلب والفؤاد، فإن تعطلت آلة الشعور فقد تعطلت الحاسة وإن كان ظاهرها عاملا، غير أنه لا يمكن أن تنقطع الصلة بين نظر العين والسمع والقلب بمجرد الإعراض، لأن للآيات البينات استيقاف وتأثير في النظر وأثر في النفس وقلب، وذلك لما يحدث من تقابل والتقاء بين فطرة الله في النفس، وبين الحق بآياته المبصرة من خارجها فلا يستطيع الإنسان مقاومته إلا بعد جهد وطول إعراض ونكس للفطرة؛ ولذلك جاءت الآيات التي تتحدث عن استغشاء الثياب تصف حال المعاندين وهم لا يستطيعون مقاومة السمع والبصر من الانفعال فيضطرون لهذا الفعل، ويعاندون داعي الله من داخل النفس كما ينصرفون عنه من خارجها، كما خاطب موسى (عليه السلام) فرعون بهذا البرهان الدامغ الذي أراد أن يقيم عليه به الحجة من داخل نفسه بعد أن أراه الآيات البينات فقال له "قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)الإسراء.
أما بعد المعاودة والاستمرار والاستمراء، تغشى الفطرة البصرية والسمعية شيئا فشيئا ، فلا تتأثر العين ولا يعمل البصر كما يوقر في السمع وتصم الأذن "خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)البقرة ، "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)الجاثية،
لا يكون هذا وحسب، إنما يوكل الله بكل معرض قرين من شياطين الجن ، يلزمه حتى يغشي بصره عن كل ما يراه من آيات الله ، ويصده عن سبيل الهدى، ويزين له سبيل الغي فيحسب أنه على الهدى" وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)الجاثية، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَنْ يَعْشُ بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ يَعْمَ، يُقَالُ عَشَى يَعْشَى عشيا إِذَا عَمِيَ فَهُوَ أَعْشَى، قال القرظي: يول ظَهْرَهُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ الْقُرْآنُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: يَظْلِمُ بِصَرْفِ بَصَرِهِ عَنْهُ. قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: أَصْلُ الْعَشْوِ النَّظَرُ بِبَصَرٍ ضَعِيفٍ.(البغوي ـ إحياء التراث).
إذا : فالحواس مفعّلة معطّلة بإرادة الإنسان واختياره ، وكان هذا لحكمة من الله كما ذكرنا وهي الاختيار بعد اقتضاء التكليف ، فمن شاء أقبل ومن شاء أعرض وكل يٌيسر لما يريد " فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)الليل.، إلا أن يحول الله بين المرء وقلبه ، وتسبق إرادة الرب إرادة العبد بما يسبق عليه من الكتاب، فمن حقت عليه كان" سميعا بصيرا" ، ومن حقت عليه كان " صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ".
وأما الفؤاد: فقد نرى اقترانه متعددا مع السمع والبصر في الآيات " وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا (36)"الإسراء ، "وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) " المؤمنون؛ ولا شك أن في هذا الاقتران دلالة على الصلة الوشيجة الوطيدة بين (السمع والبصر) من ناحية، و(الفؤاد) من ناحية أخرى، فلا تقوم مهمة الفؤاد إلا مع السمع والبصر، فما هو الفؤاد؟
الفؤاد: يأتي بمعنى القلب أو العقل ، أي أنه يجمع بين مادة الحس والشعور، ومادة الفهم والتعقل،كما يتضح من الآيات أنه ملتقى السمع والبصر الذي يلتقي فيه مصبيهما مما يجتمع لهم مما يٌسمع ويٌرى ، ثم يأتي إلى الفؤاد ليعقله .. وربما يكون الفؤاد هو مادة القلب التي ترد إليه من السمع والبصر، وكذلك المادة التي تنشأ عن انفعال القلب بما ينقله له السمع والبصر، فإذا توقف الفؤاد عن التأثر بمادة السمع والبصر ، تعطل القلب كذلك وقسى ، وإن جاش الفؤاد وتأثر انفعل القلب معه؛ ولذلك يأتي كلام القرآن عن تعطل الفؤاد" وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)"الأحقاف.
ونحن لا نكاد نفرق تفريقا واضحا بين عمل القلب والعقل والفؤاد، لأن القلب يأتي في القرآن بمعنى العقل " فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)" الحج، " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)الأعراف ، فالقلب هنا مادته العقل والفقه ، كما أن مكان القلب الذي يختص بالبصيرة ، ويعمى عن التبصر والنظر، مكانه الصدر بنص الآية في سورة الحج على عكس ما يقول البعض أن القلب في الدماغ ، وأن مادة العقل في الدماغ ، وإذا كان رابط الفؤاد بالقلب كما تشير الآيات فلابد أن يكون الفؤاد أيضا محله القلب أو الصدر..
، "وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)" القصص.
يستخدم القرآن تعبير الربط مع القلب ، كما يستعمل التثبيت مع الفؤاد ؛ وفي حالة أم موسى يشتد الحزن والخوف وهما الشعور الذي يجيش بهما الفؤاد، فتكاد مشاعرها تغلبها حتى لتبدي بابنها ، لولا أن يربط الله على قلبها فلا يظهر ما به من الخوف والحزن ولا تغلبها مشاعر فؤادها، كما يربط على قلوب المؤمنين لتثبت به أقدامهم في القتال فلا يولون الأدبار، وذلك في سورة الأنفال "وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)، فالربط على القلب هو التثبيت فلا يغلب عليه شعور مما يجيش في الفؤاد من القلق أو الخوف يثني صاحبه عن عزمه، أو تنكصه عما أقدم عليه من أمر القتال الذي يحتاج إلى قوة نفسية وقلبية وثقة بما هو عليه ، وبوعد الله الذي وعد ..
كذلك جاءت مادة القرآن من قوة الحجة والإقناع والتأثير النفسي والقلبي للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون معه درءا للمعاندين والمثبطين والمرجفين ، فتكون حجته داحضة لحججهم مزهقة لباطلهم ، ومثبتة له فلا يحيق به مكرهم الذي يمكرون؛ فهم لا يزالون يصدونه عن هذه الدعوة حتى ينصرف عنها، ولا يزال الله يثبته بالقرآن ويذكر له من قصص الرسل من قبله و يربط به على قلبه فلا يخرج منه الإيمان ولا يميل إلى ما يدعونه إليه " وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) الإسراء. و"َكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) يوسف، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)" الفرقان .
وهكذا، ومن استعراض حالة السمع مع البصر مع الفؤاد في القرآن.. نرى القرآن لا يزال مع الإنسان يذكره ، يمن عليه بما وهب الله له بالخلق من عدم والإمداد من عدم ، وهذه النعم المسبغة من داخله وخارجه ، فمن نعمة النفس إلى العقل إلى الروح إلى السمع والبصر والفؤاد إلى ... فأين يمكن أن يجد هذا المد وهذا المدد الغير منقطع والغير مشتبه إلا من جود الله الذي لا ينقطع حتى مع المعصية ولا يتوقف رغم الكفر والجحود والنكران، بل هو منهمر آناء الليل وأطراف النهار ، في النوم والصحو، والغفلة والفكرة، في الكون الفسيح والكون الصغير (نفس الإنسان) .. فأنى يصرف أو يغفل عن خالقه وفاطره !!؟
إن القرآن يقيم الحجة على الإنسان بعد أن يعلمه ويذكره ، فلا يتركه لهذا العقل المحض الذي يصيب ويخطئ ، إنما يورد له من علوم الحق الذي لا يقبل الشك من نفسه وأعضاءه ما يدعم عقله ، ويضرب له المثل من حواسه المنغمسة في ثوابت الحق لا تفارقه هنيهة لكي يعلم أن الله على كل شيء قدير وأنه قد أحاط بكل شيء علما .

 

 

تعليق عبر الفيس بوك