15% معدل الضحايا عالميا.. واليابان 22%

التنمر.. عدوانية طفولية تهدد سلامة البيئة المدرسية

 

الرؤية - مريم البادية

تُعدُّ مشكلة التنمر المدرسي من المشكلات الخطيرة التي تُهدِّد سلامة البيئة المدرسية، ولا تلاقي الاهتمام الأمثل في المجتمعات العربية؛ سواء من حيث انتشار هذه المشكلة أو توافر إحصائيات حول ممارستها في المدارس، فهي مشكلة متنامية في العديد من دول العالم، وهي من المشكلات السلوكية التي لا يكاد يخلو مجتمع منها، حتى في أوساط الطلاب ذوي صعوبات التعلم .

وتُشير الإحصائيات الدولية إلى أنَّ مُعدَّل انتشار التنمر في المدارس يتراوح ما بين 10 و15%، وأن معدل ضحايا التنمر يختلف من بلد لآخر؛ ففي اليابان يبلغ ضحايا التنمر 22% في المدارس الابتدائية، و13% في المدارس المتوسطة، و6% بين طلاب المدارس الثانوية، بينما يبلغ عدد الضحايا في مدارس إنجلترا بشكل عام حوالي 20% تقريبًا. وبشكل مُماثل، صنفت بعض الدراسات الأطفال إلى مُتنمِّرين وضحايا، إلا أنَّهم أشاروا إلى أنه من الممكن أن يتحوَّل المتنمر إلى ضحية في أوقات أخرى؛ مما يُساعد على ارتفاع نسب انتشار ظاهرة التنمر.

وتقول الدكتورة مها العاني مديرة مركز الإرشاد الطلابي بجامعة السلطان قابوس: إنَّ التنمر المدرسي هو مجموعة من السلوكيات العدائية التي تتم بصورة متكررة، تصدر من شخص متنمر تجاه آخر (ضحية) يقع عليه فعل العداء؛ الذي يأتي في صورة أفعال سلبية جسدية أو نفسية (لفضية وغير لفظية)؛ بهدف الحصول على النفوذ والهيمنة والسيطرة، وهو شكلٌ من أشكال الإساءة للآخرين، ويحدث عندما يستخدم فرد أو مجموعة (المتنِّر أو المتنمَّر عليه) قوتهم في الاعتداء على فرد أو مجموعة (الضحيَّة) بأشكال مختلفة؛ منها ما هو جسدي، ولفظي، ونفسي، واجتماعي، وجنسي، وإلكتروني، وكتابي، وديني، والاعتداء على المعاقين. وتُضيف بأنَّ ضحايا هذا النوع هم مجموعة من الأطفال الذين تقع عليهم الإساءة من زملائهم؛ سواء أكان ذلك بصورة فردية أم جماعية، ويُساء إليهم بأي نوع مما ذكر سابقا، إضافة إلى أنه شكل من أشكال العنف الشائعة بين الأطفال والمراهقين، ويعني التصرف المتعمد للضرر أو الإزعاج من جانب واحد أو أكثر، وقد يستخدم المعتدي أفعالا مباشرة أو غير مباشرة للتنمر على الآخرين.

وعن أسباب التنمر، تقول العاني: إنَّ بعض الدراسات تشير إلى أنَّ هناك خصائص عائلية لها أثر على التنمر كالاستقواء وتطوره على الأبناء؛ فالأسر التي تستخدم العقاب أو تستخدم أساليب صارمة في الضبط وعلاقاتها لا تتسم بالمودة والحب تُنتج أطفالًا مُستقويين، أما الأسر التي تستخدم الدلال والحماية الزائدة فيُكون أطفالها عُرضة ليكونوا ضحايا لهذا الاستقواء.

وتُخلِّف هذه الظاهرة آثارًا عِدَّة.. تذكر الدكتورة مها منها: التأثيرات النفسية والسيكوسوماتية التي تصيب الطفل؛ كالأفكار الانتحارية جراء الاستقواء عليهم. وتتمثل في تأثيرات نفسية وصحية وتربوية واجتماعية خطيرة على الأطفال كارتفاع نسب تعرضهم للاكتئاب والقلق والخوف وضعف التقدير الذاتي والانتحار، واضطرابات نفسية أخرى في سن الرشد، وعدم السيطرة على النفس أثناء الغضب، أو سلوك تدمير الذات.. وتابعت د. مها: هناك احتمالية كبيرة للإصابة ببعض الأمراض كالصداع وآلام المعدة، وضعف التحصيل الدراسي، ومن الأعراض الأخرى: الوحدة النفسية، وسوء التوافق النفسي والاجتماعي، وفقدان الأمن النفسي، وتدني مفهوم الذات، وضعف التحصيل الدراسي.. وغيرها.

من جانبها، تذهب لمياء السنانية مدربة مساعدة في مجال اللغة الإنجليزية، بعد دراسة أجرتها حول "التنمر المدرسي في مدارس الحلقة الأولى في جنوب الشرقية"، إلى أنَّ التنمُّر يهز ثقة الطالب المتنمَّر عليه، كما يُسهم في كثرة غيابه عن الحصص الدراسية، والرغبة في الانتقال إلى مدرسة أخرى، وتؤثر حالات التنمر على سير العملية التعليمية في الصف الدراسي.

ولحماية الأطفال من التنمر أو من التحول إلى مُتنمِّرين، تقول الدكتورة منى الشكيلية استشارية طب نفسي أطفال ومراهقين: هُناك علاج وقائي يتعلق ببرامج التوعية، من خلال الإخصائي النفسي والاجتماعي، وتوعية أولياء الأمور والأمهات على وجه الخصوص؛ وذلك من خلال إشراكهم في مراحل إعداد وتنفيذ وتقييم البرامج، وهناك التوعية المجتمعية كتفعيل دور المساجد والأندية، كما يوجد عدد من نماذج البرامج الوقائية العالمية. أما علاج الطلاب أو الأطفال الذين تعرَّضوا للتنمر، فتتم من خلال إشراكهم في برامج إرشادية تتعلق بتأهيلهم نفسيا، وتنمية مهاراتهم الذاتية؛ فضلا عن إجراء جلسات إرشادية مع أولياء الأمور.

 

ضحايا التنمُّر

ويتعرَّض الكثيرُ من طلاب المدارس لكافة أنواع التنمر، والتي تُؤثر عليهم فيما بعد على المستوى القريب والبعيد، ومن هذه النماذج لين عبدالله، وهي فتاة تدرس في الصف الثامن من التعليم الأساسي، تحدَّثت إلى "الرؤية"، وتتميز بالتفوق الدراسي، لكنَّ زميلاتها في الصف مارسن عليها تنمرا؛ كونها ترتدي نظارة بسبب قِصَر في النظر لديها، فوجَّهن لها سيلًا من السخرية، فعندما كانت تقرأ وهي لا ترتدي نظارتها، يهاجمنها بأنواع شتى من عبارات السخرية من بينها: "يجب أن تستخدمي التليسكوب حتى تستطيعي القراءة جيدا"، وبعدها ضاق الأمر ذرعا بلين، فبدأ مستوها في التدني تدريجيًّا، وطلبت من والدتها أن تنقلها إلى مدرسة أخرى، حتى تخرج من هذه الحالة.

وبحسب ما روته لين لـ"الرؤية"، فإنَّ الأم رفضت بحجة أن الفتاة "دلوعة"، ولا حاجة لنقلها إلى مدرسة أخرى؛ لذا ظلت لين تعاني التنمُّر سنة كاملة، حتى فقدت موهبتها في الرسم، ودخلت في حالة من الاكتئاب، وأصبحت ترفض التجمُّعات العائلية، وترفض الذهاب إلى المدرسة، وهنا لاحظت الأم حالة ابنتها، فقررت الذهاب إلى المدرسة، والسؤال عنها، وصُدمت بدرجاتها المتدنية؛ لذا قررت أن تجلس معها وتناقشها في ذلك، وفتحت لها قلبها، وعرفت مشكلتها، فتعاونتْ مع المدرسة لوضع حد للطالبات اللآتي كن يُمارسن التنمر ضدها، ونقلوا إلى صفوف أخرى، وبدأت الأم في تكوين مجموعة من الصديقات لابنتها، حتى تعود وتتفاعل مع المجتمع المحيط بها، وشرحت لهن وضعها، واستطاعت هؤلاء الفتيات أن تُخرج لين من حالة الاكتئاب التي دخلت فيها، وتعيد لها ثقتها بنفسها.

أمَّا الطالب (ج.م)، الذي فقد والده في حادث سير، وهو في الصف الثامن، وكان على علاقة قوية به، فتأثر بموته كثيرا؛ مما انعكس ذلك على شخصيته؛ فأصبح طالبا مشاغبا في الصف وخارجه، فيضرب هذا، ويشتم ذاك، وأصبح كثير التردد على إدارة المدرسة، وتنزل به العقوبات دون معرفة أسباب فعله لكل هذه المشاغبات، ثمَّ بعده فترة من الزمن تواصل أحد زملائه مع أستاذ كان محبوبا بينهم، وقص له من هو (ج-م) وكيف كان طالبا متميزا وخلوقا، إلى أن كسر ظهره خبر وفاة والده، فأصبح الطلاب ينادونه باليتيم، وأن أمه هي التي تختم شهادته، فلا يوجد لديه أب يفعل له ذلك مثل بقية الأولاد، لذا عقب هذا التنمر دخل في هذه الحالة الغريبة، بالرغم من بنية جسمه الضعيفة، إلا أنَّه أصبح يمتلك طاقة هائلة، ظلَّ يفرغها في كل شيء أمامه، حتى وإن كان الخصم متفوقًا عليه في البنية، فقررهذا المعلِّم أن يحتوي هذا الطالب ويتقرب منه، وبهذا استطاع أن يتعرَّف على السبب وراء تصرفاته الغريبة، وناقش الإدارة في وضعه، وعاقبوا كل من يأذيه، إلى أن أصبح لا أحد يتجرأ على مضايقته أو التنمُّر عليه.

نماذج أخرى التقت بها "الرُّؤية" سردوا مواقف كانت تحدث لهم في الماضي، ولا يزال تأثيرها عليهم قائما حتى الآن، ومن هذه الامثلة أنوار، وهي موظفة حاليا، وتقول إنها تعرضت للتنمر في المرحلة الإعدادية، وكانت تُلقَّب بألقاب كثيرة، وكانوا ينعتونني "بالفقيرة"، بسبب عدم ارتدائي للملابس والحقائب والأحذية الثمينة، فأصبحت مصدرَ نكتة لكثير من الطالبات في المدرسة، وهذا الأمر أثر على مستواي التحصيلي، وعلى نفسيتي أيضا، ولم أستطع إخبار عائلتي، مخافة أن يكثُر التنمر تجاهي من واقع ما رأيته في زميلات كان يمارس عليهن هذا النوع من التنمر، إلى أن وصلت إلى المرحلة الثانوية وانتقلنا إلى بلدة أخرى، فلم أصادق أي زميلة بسبب ما كنت أعاني منه سابقا؛ حيث فقدت ثقتي بنفسي، وبعدها انتقلت إلى المرحلة الجامعية، وفيها تحول كل شيء من مُتَنَمر عليَّ إلى مُتنمرة؛ فكنت أمارس كل التنمر الذي كان يمارس تجاهي في السابق من قبل الناس، خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبحت حياتي في جحيم، حيث فقدت ثقتي بنفسي، ودخلت في نوبة اكتئاب حاد؛ الأمر الذي أدى إلى خروجي من الجامعة المنتسبة إليها، وبعدها استيقظت من غفلتي، فترددت كثيرا على إخصائي في الطب السلوكي، وعلم النفس.

أما دعاء، وهي خريجة جامعية، فتتحدث عن تنمر يمارس ضد أبناء إخوتها في المدراس، ولكن من نوع آخر، حيث يطلق عليهم مصطلح "مطاوعة" التي حولتهم إلى مصدر خجل من مجتمعهم المدرسي فتذكر أن هذا التهكم يجري على ألسنة الأساتذة قبل الطلاب، فتقول عندما رفضت ابنة أخيها المشاركة في العرض الموسيقي، وجاءت المعلمة لتستوضِح السبب وراء ذلك، هتفت معلمة أخرى بأنها "مطوعة" مما جعلها أضحُوكة بين أقرانها الطلاب والمعلمة أيضا، وذات مرة رأتها بعباءتها وهي لا تزال في الصف السابع، فنهرتها بمسمع الجميع "لماذا كفنوكي من الآن؟". وتكمل عندما رفض ابن اخيها المشاركة في الفن الشعبي "اليولة"، أجمع زملاؤه الطلاب بأنه "مطوع" وأنه يقرأ القرآن فقط.

تعليق عبر الفيس بوك