ماكينة خياطة معطلة


صفاء رمضان راتب | مصر

تتشابه رعشات احتضار عصفور
يسكن الشجرة المقابلة لغرفتي
مع رقصي للباليه علي خيوط ملونة، متداخلة
تجمعت داخل آبر ماكينة الخياطة الخاصة بجدتي
فوق كل قطعة قماش
تنقر وجعي الممزق، وحدتي المنزوعة الرحمة
في محاولة لجمع قطع قلبي الملقاة علي قارعة الفراق
تشكلني النبضات الكهربائية رداءً للتيه
كنت في عمر الـرابعة عشر
عندما احتواني قميص جارنا الشاب
علي طريقة نوم أوراق الزهور
بينما جدتى تعيد تركيب أزراره المنفلتة
يسرق فستان فتاة الشارع الجميلة
دمعة من عيني المتورمة من البكاء
لأنني سقطت فوق جثة الكلب العجوز
محت سطراً من قصة (جين آير)
خافت أن تمد يديها لتنتشلني من القلق
كي لا تنبت محل طفولتي المضطربة
شابة تشاطرها إعجاب شبان الحي
تلعثمت مع حرفي (الـ شين و الـ جيم)
عندما جمعتهما جدتي فوق جلباب جدي
فتشكلتا في صورة كلمة (شجن)
لتذكرا جدتى؛ أن جدي لم يعد بحاجة لجلباب مزين
فقد مات منذ تسعة أعوام
عندما قبضت الأرض براحتيها القاسيتين علي جسده
خطفت ليلة باردة مني دفء محبته
فخفت كثيراً أن يموت إيضاً بطل قصتي الخيالية
لمن سأهب قلبي؟
لمن سأسكب الشوق المتجدد، المتمدد مثل نبات اللبلاب
فوق شرفات الأنتظار، أطراف القلب المتكور في آخر ركن بغرفة ( الكراكيب)؟
كيف ينزح الشغف من النفس تجاة الصمت
دون حدوث عطب بالوجدان؟
أخبرتني جدتي :
أن الفراق حتمي علي من يملكون خيال يملئه الشوق
للأشياء المفقودة عبر تاريخ الحياة
لمن يرسمون صوراً علي باب الغد
يقذفون حكايتهم الصغيرة في وجه القمر
علها تنضج مع شروق الشمس روايات طويلة
يعزفون ألحاناً مجهولة لبائع الربابات؛ حتى يعود
يكتبون حرفاً يشبه حالات الأغماء لنقص الأكسجين
يزرعون في لفائف القطن بذور الريحان
ينسجون من خيوط العنكبوت أثواباً لرفقائهم من الدمي
ثم في الصباح تذوب دون أثر للمرور فوق أعضائهم البلاستيكية
لما أحزاننا لا تحاكي مكعبات الثلج؟
تذوب من حرارة كفوفنا
كلما ضممناها في فصل الصيف
ليتها مثل ورق الصبار تحمل بداخلها الدواء
كم تمنيت لو أن فراق جدتي حدث مؤقت؟
مثل انتهاء الفيلم الذي نحب
بعد أيام يعاود بالظهور علي شاشة التلفاز
كمقطوعة موسيقية عند النغمة الأخيرة
نضغط زر العودة كي نلقاها من جديد
كقصائد الشعر؛
نلقيها مرات ومرات كي نحفظ البيت الذي ينمو بداخلنا
أعرف أنني أتحدث و أكتب عبارات لا أحد يفهمها غيري
حتى الكلمات تتسائل كيف جمعتها جملة واحدة
لا علاقة تربط خواتمها ببدايتها؟
تهم بالهرب من اجندتي إلي مناطق النسيان
أجرب أن أثنيهم عن الرحيل
بمرافعة نثرية أمام حرف (الـ ألف)
فأنا لا أملك غير القلم والورق
لا ملاذ لي سوي الكتابة
لا ونيس لي غيركم
فكل شيء في حياتي لايدوم لأكثر من ساعتين
ثم يرحل
أصدقائي،
أحبائي،
أفكاري،
حتى مشاعري وأدتها
أحرقت رغباتي
لا أجيد البكاء كي أسترق مشاعركم؛
فعيناي مريضة بالجفاف مثل قلوب الراحلين عني
لتبقوا فأنا ملعونة بالشعر، ملعونة بالشوق
تتشبث الحروف بذيل قلمي كي أرسمها
في لحظة إنفصال الشمس عن عبادها
يتسائل حرفا (الـ حاء و الـ باء)
عن سبب عزوفي عن رسمهما
تتلاقي شفاهي الملتهبة نتيجة لعضي عليها لشعوري بالألم
عند الفجر حيث تتمزق روحي كطقس يومي لصلاة الآنين
في بسمة ممزوجة بالسخرية تصحبها كلمات
مكبوتة داخل الرماد المتبقي من رغباتي
تردد؛ أحب؛ وبعض الحب ألم،
كثيره؛ كتذكرة قطار ذهاب بلا عودة
تماماً مثل ماكينة الخياطة الخاصة بجدتى
تعطلت؛ يقول صاحب محل الماكينات
أنها لن تمسك بأطراف الخيوط ثانية
كي تنسج أحلامي فوق ثوب الواقع
لكن صوتها لازال يمر عبر جسدي
ينقر ما يجده من ذكريات موجعة
كأن جدتي في السماء لازالت تحيك فساتين العيد
دون أن تستمع لنحيبي من تجاهلها لألآمي عند شرفة الطفولة

 

تعليق عبر الفيس بوك