عسيسُ اليتم


جيهان رافع – سوريا


هناكَ على ذلكَ المقعدِ
في ركنِ الرحيلِ المظلمِ
مـدَّ يدَهُ الصغيرةَ
ليقيسَ المِســافةَ بينَ جسدِهِ والسماءِ
ينتعلُ ظلَّ الانتظارِ
 ولا يلمسُ القمرَ الكبيرَ
من كوّةِ سوادِ الملجأِ
وعدَهُ والدُهُ يوماً ألّا يتركَ يدَهُ
رافقَهُ لأوّلِ يومٍ في المدرسةِ
ورحلَ برفقةِ القذيفةِ
 لم يكنِ الفضاءُ يتّسـعُ
 لرائحةِ الآسِ وبنفســجِ الغيابِ
عندَها أصرَّ الوقتُ ألّا يعبرَ
ما زالَ مشلولاً في حَنجرتِهِ
لا دمعةٌ تأخذُ بيدِهِ
ولا صوتُ الحطامِ يخرجُهُ .
بحثَ عنهُ كثيراً
في لُجّـةِ النحيبِ وعسيسِ اليتمِ
فوجدَ كرســيَّـهُ العتيقَ
الجريحَ منذُ البردِ
ودخانِ صباحِهِ القائظِ
فوقَ جريدةٍ محشــوّةٍ بأكوام الرُّعاف
وضجّةِ الصقيعِ فوقَ أجساد الصورِ
وجدَهُ ضائعاً في أزقّـةِ
أحلامِ الوحلِ بالنقاءِ
 وفي عزِّ أســرِهِ
كانَ يفترشُ شَـعرَ حبيبتِهِ
 ليبعثرَ شــهوةَ االبحرِ
لابتلاعِ الشمسِ
 وظمأِ الشـوارعِ العاطلةِ عن الحبّ
 ثمَّ يرقدُ بعدَها
كجرسٍ على مائدةِ أميرٍ
مطويٍّ تحتَ صورِ دمشقَ القديمةِ
 يســيرُ معَ قطيعِ الشموعِ
والأنينُ يملأُ الجسورَ
 ومراهقةُ الموتِ
ترقصُ قبالةَ مرايا المسرحيّـةِ
 وعن أرصفةٍ هزيلةٍ
تطيرُ دهشةُ الحمامِ
لتحطَّ على أســوارِالخوفِ العاليةِ  
وأسلاكِ الفرحِ الشائكةِ
 هناكَ على ذلكَ المقعدِ
عندَ بوّابةِ ذاكرتِهِ
 يأبى أنْ يودّعَـهُ .

 

تعليق عبر الفيس بوك