علي بن سالم كفيتان بيت سعيد
وردت الكثير من الأحاديث والقصص في الموروث الشعبي العُماني عن هذا المخلوق، حيث يذكر لنا كبار السن بأنّ النمر لا يأكل غير ما يصطاده بنفسه ولا يقترب من الجيف مطلقاً، كما ذكرو بأنّه عزيز نفس وإن كان لا محالة يريد الإغارة على قطيع فلا يأخذ إلا عشاءه فقط أي أنّه لا يفترس بشكل عشوائي ومن هنا كان الرعاة ورغم معاناتهم منه أحياناً إلا أنّهم يعتبرونه مخلوقا شجاعا يحمل من القيم ما يكفي لاحترامه فيذكرون بأنّ من العيب أن تنهر النمر كما تنهر الكلب وأنّه أي النمر يرى نفسه ذا مرتبة عالية في البرية ولا يجب مساواته ببقيّة الحيوانات البرية الأخرى.
في الأمس القريب وأثناء تأثر محافظة ظفار بالعاصفة الإستوائية (لُبان) ظهرت عدد من النمور على الشوارع العامة في المناطق الجبلية، ولعلّه من الجميل أنّ الناس التي كانت تحمل البنادق لقتل هذا المخلوق الجميل باتت اليوم تحمل سلاحا من نوع آخر وهو الكاميرا التي نقلت لنا تلك المشاهد المثيرة فقد تلقيت كمتخصص في الحياة البرية الكثير من الاستفسارات عن سبب هذه الظاهرة ولماذا خرجت تلك الحيوانات في هذه الأثناء وباتت لا تخاف من الناس؟
هذا المشهد ليس غريباً في قمم سمحان الشاهقة ووديانها السحيقة ولا على سفوح جبل القمر ورباه اليانعة لكن الظهور الأخير للنمر في مناطق مأهولة بالسكان وقريبة من حواضر المدن كان لافتاً والأكثر غرابة هو وقت الظهور في ذروة هطول الأمطار وشدة الرياح التي مرّت بها المحافظة وهنا يمكن القول بأنّ هذا الحيوان تنبأ بحدوث كارثة ولذلك توجه للمناطق التي يعتقد أنّها أكثر أماناً وربما أنّ هنالك عوالم أخرى لا تحيط بها مداركنا دفعت بها خارج أوكارها في تلك الظروف العصيبة، فهناك دائما صراعات غير معلومة ولم نجد لها كبشر الأجوبة الشافية بعد إلا بتقدم الأبحاث والدراسات.
يذكر بعض المختصون في حماية الحياة البرية بأنّ تلك اللحظات هي الوقت المناسب للصيّد فكل الفرائس إمّا مختبئة في أوكارها ولا تستطيع الهرب وإن هربت فظروف المناخ تجعها صيدا سهلا لهذه الكواسر وبالتالي فهي اللحظات الذهبية التي يتوارى فيها الجميع من البرية بما فيهم الإنسان وتكون تلك الأوقات فرصا لا يمكن تكرارها للظفر بعشاء دسم في ليلة عاصفة شديدة المطر وقارصة البرودة، ويؤيد بعض الرعاة المحترفين هذه النظرية من واقع معايشتهم لطبيعة النمر العربي بجبال ظفار.
المشهدان اللذان تمّ تصويرهما أثناء العاصفة المدارية لُبان كان أحدهما لذكر والآخر لأنثى حسب ما توضح الصور فالذكر كان متحفزا وظهرت لديه قطعة لحم قد ظفر بها من عملية قام بها في تلك الأنواء، أمّا الأنثى فكانت أكثر وهناً وقد يرجح المختصون أنّها كانت في حالة وضع وتبحث عن مكان آمن لوضع صغارها. لقد كان المشهدان مثيران للغاية وينمان عن وعي عالٍ للمواطنين بأهميّة الحفاظ على هذا المخلوق الجميل؛ لكن هذا لا ينفي الأخطار الجمّة التي باتت محدقة بالحياة البرية في عُمان، فالتعاطف جميل ولكنه قد لا يكفي.
إنّ فرضية زيادة أعداد النمور واردة في ظل الحماية التي يتمتع بها الحيوان والرعاية التي توليها الجهات المختصة لهذا النوع النادر والمهدد بخطر الانقراض والوعي الكبير لدى المواطنين بأهمية بقاء النمور في جبال ظفار كرمز للقوة والصمود التي يعتبرها سكان الأرياف والبوادي أيقونة حياة، ولعل بقاء النمر في ظل ظروف صعبة هو أحد الدوافع التي تمنحهم القوة والمنعة فكما صمد النمر واستطاع التكيف في ظروف شبه مستحيلة يستطيع هؤلاء أن يحذو حذوه؛ ولذلك هم اليوم لا ينوون الإضرار به مهما زادت أعداده وتعاظمت خسائرهم من افتراسه لمواشيهم ما لم يعتدِ على البشر.
نقطة نظام: إنّ مولانا صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه يولي اهتماما خاصاً لحماية البيئة العُمانية بكل مفرداتها، والنمر العربي يحُظى برعاية مميزة من قبل الجهات المختصة بحماية الحياة البرية في السلطنة؛ ووعي المواطنين بات هو حجر الزاوية في هذه المعادلة.