نساء فوق القمة

د. سمير محمود

تنطلق بعد أيام أول قمة للمرأة العمانية عبر تاريخها وتاريخ السلطنة. نعم هي خطوة سبقتها إليها دول أخرى عديدة، لكن المؤكد أنّها خطوة مهمة في مشوار طويل نحو تمكين المرأة في عمان. مشوار بدأ قبل عقود مع انطلاقة النهضة العمانية الحديثة في 1970، حين قالها جلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله- بوضوح: "إنّ الوطن في مسيرته المباركة، يحتاج إلى كل من الرجل والمرأة فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مريضًا منكسرًا؟ هل يقوى على هذا التحليق؟" ندعو المرأة العمانية إلى الاستفادة من كافة الفرص التي منحت لها لإثبات جدارتها، وإظهار قدرتها في التغلب على ما يعترض طريقها من عقبات".

لم يكن الطريق ممهداً تماماً أمامها، ولم تكن التحديات والعقبات بسيطة، إلا أنّ المرأة العمانية تحاول ولا تزال إثبات ذاتها وجدارتها في مختلف المواقع، وانتزاع اعتراف المجتمع بدورها الفاعل في مسيرة النهضة والتنمية في عمان؛ لمست ذلك بنفسي خلال سنوات عملي بجامعة السلطان قابوس، حين شاهدت الحضور النسائي اللافت بمختلف الأنشطة والفعاليات في ملحمة جديرة بكل التقدير والاحترام.

عمان بلد تعداده نحو4.600 نسمة منهم 2.600 مليوني نسمة من المواطنين، تتقارب فيه نسبة الإناث إلى الذكور بتوازن نادر، تقبل فيه المرأة على شتى ميادين العمل والحياة، لهذا ليس غريباً أن يصبح "عمان لها"، أكبر من مجرد شعار لقمة المرأة العمانية الأولى، فالدولة تساندها وتدعمها وتقف معها لتحقيق كل ما تصبو له في الحياة.

كم شعرت بفخر حين قابلت وجوها نسائية تسكن الجبل الأخضر وجبال عمان الأخرى، يدرن بيوتهن بتجارة بسيطة وبمشاريع صغيرة، ينسجون من حرارة الشمس المحرقة، قصص ناجحة باهرة بعيداً عن الشهرة والأضواء والإعلام، أليست هذه قمة في ذاتها؟

قمّة رفيعة المستوى تعود لمنتصف القرن الماضي، تليق بالعمانية تلميذة د. طه حسين عميد الأدب العربي؛ الدكتورة فاطمة بنت سالم بن سيف المعمرية، أول امرأة على مستوى عمان والخليج تحصل على الدكتوراه وبالتحديد في عام 1955.

قمّة فريدة تحلق بها "طيار ضابط أول" مها البلوشي فوق السحاب، وهي تقود الطائرات في رحلات تمتد لساعات بين الشرق والغرب. قمة خاصة تستحقها، سلطانة بنت سعيد الحجرية، أول أسطى ميكانيكي عمانية، تقف وسط الشحوم والزيوت في كراجها المخصص لتصليح السيارات!.

قمة تليق بسيدة الميكرفون منى محفوظ المنذرية، أول صوت نسائي يطل عبر الأثير العماني عام 1971، صوت يبقى وصدى يتردد من جيل لجيل حتى الآن.

قمة تليق بقامة علمية فريدة هي العالمة الدكتورة سلمى بنت محمد بن زهران الكندي أول عمانية تحصل على الدكتوراه في الكيمياء التحليلية، وقمم وأسماء أخرى عديدة، فعقد اللؤلؤ النسائي العماني يطول، وأحدث حباته الباحثة العمانية "منى الحبسية"، ضمن فريق البروفيسور الياباني "تاسكو هونجو" الفائز بجائزة نوبل للطب لهذا العام والمشاركة في أبحاث تطوير علاج مرض السرطان، والتي تواصل دراستها باقتدار لنيل درجة الدكتوراه في قسم المناعية والوراثة بجامعة "كيوتو" اليابانية.

القمة الأولى للمرأة العمانية، والتي تعقد في 24 أكتوبر الجاري، جاءت في وقتها تماماً، حيث تأتي ضمن احتفالات السلطنة بيوم المرأة العمانية في 17 من أكتوبر من كل عام، وهذه القمة التي تحتضن تجارب وخبرات نسائية ملهمة من عمان والإمارات والبحرين والكويت وإيطاليا والسويد تحت سقف واحد، هي في الحقيقة قمة سبقتها قمم وصنعتها قمم نسائية عمانية قديرة وجديرة.

 كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن تشارك المرأة العمانية بقوة في رؤية السلطنة 2020 ورؤيتها 2040 وكلاهما بمثابة خارطة طريق للمستقبل الاقتصادي والاجتماعي للسلطنة.

كنت وما زلت أحلم وأتمنى، أن تنخرط المرأة العمانية في مجالات الاستثمار المتنوعة، وبدرجة أكبر في مجال ريادة الأعمال، وفي العمل التطوعي غير الهادف للربح. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن يصبح اقتحام العمانيات لمجال ريادة الأعمال مشروعاً قومياً، يتجاوز الرقم المتواضع المسجل حالياً لنحو 10 آلاف سيدة فقط منتسبة إلى غرفة تجارة وصناعة عمان من جميع المحافظات.

كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن تدشن القمة منصة إلكترونية في إطار منظومة الاتصال الحكومي لتسجيل المشروعات وتعليم المرأة خطوات الانخراط في مجال ريادة الأعمال، تشرح آليات وشروط البدء في المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

كنت وما زلت أحلم وأتمنى.. أن تصدر موسوعة للمرأة العمانية تؤرخ للشخصيات النسائية اللائي صنعن التاريخ وحققن النجاحات غير المسبوقة في مختلف مجالات العلوم والفنون لتصبحن قدوة لبنات ونساء الأجيال الجديدة.

تنطلق القمة بعد أيام، وستعقبها قمم تستوعب نصف المجتمع بأسره، ربات البيوت، العاملات والعالمات، نساء الجبل والمعيلات، تستمع إليهن وتناقشهن وتستعرض تجاربهن وتدمجهن في خطط واستراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، بوصفهن شريكات على قدم المساواة قولاً وفعلاً؛ لنثبت دوماّ أن "عمان لها" كما كانت هي لعمان على مر الزمان.

 

كاتب صحفي مصري

drsamir33@yahoo.com

 

تعليق عبر الفيس بوك