عبد الله العليان
لا تزال أحاديث أسعار المحروقات مستمرة، مع ارتفاع سعر النفط مؤخراً، حديث لا يكف عن النقاشات في الكثير من مواقع وسائل التواصل الاجتماعي للمواطنين، وفي وسائل الإعلام عموماً، بالاستغراب والتساؤل عن الزيادة التي لم تتوقف، لكون الأسباب التي أدت إلى زيادة أسعار المحروقات، كانت بسبب الانخفاض، إلى جانب الزيادة للكثير من الضرائب والرسوم في مجالات عديدة ليست مجالاً للنقاش، حيث لا تزال هناك بعض من الرسوم والضرائب على قائمة الانتظار، إن لم يتم وقفها لظروف ارتفاع الأسعار.
وقد تحدثنا عن هذا الأمر من قبل، ولا شك أن المواطن في ظل ظروف انخفاض أسعار النفط، تقبّل ما نجم عن ذلك من زيادات سواء في المحروقات، أو غيرها من الضرائب والرسوم الأخرى في الكثير من المجالات الاقتصادية والاجتماعية، مع وقف التعيينات في القطاع الحكومي، ووقف الترقيات (مع تقديرنا للتوجيه السامي بإعطاء دفعة 2010 ترقياتهم مؤخراً)، ووقف قانون التقاعد الموحد وفق الأوامر السامية في نوفمبر 2013، كل هذه الإجراءات وجدها المواطن ظروف قاهرة مبررة، لكون الأزمة عالمية، ولابد من الوقوف مع الدولة في هذا الظرف القائم، وتفهم هذه الإجراءات التي لاشك ستكون مؤقتة، حيث أزمات انخفاض أسعار النفط، لها سوابق في العقود الماضية، وهي تخضع للظروف والتقلبات السياسية، والصراعات الدولية.
من هنا يتوجب النظر لقضية أسعار النفط نظرة موضوعية، والتوازن في الأمر وفق التحولات والتغيرات التي تحدث، والمراعاة هنا تتعلق بمعطيات التفاعل مع المستجدات التي هي متحولة، وليست ثابتة، فالغرب الرأسمالي الذي جاء بالرأسمالية وتقديم مصلحة الفرد على المصلحة الجماعية، حصلت ردات فعل كبيرة وعنيفة على مساوئ الرأسمالية ومظالمها، فجاءت الليبرالية لتهذيب الرأسمالية وتقليم أظافر بشاعتها في القرن التاسع عشر، وعندما جاءت أزمة الكساد الكبير في بداية القرن العشرين، جاء التغيير بما يسمى بـ"نيو كلاسيكي"، الليبرالية الجديدة، فتم تعديل الرؤية الكلاسيكية التقليدية، حيث راعت الكثير من فلسفتها الفردية، هذه المراعاة المتوازنة، حققت نجاحاً اقتصاديا، ونجاحاً اجتماعياً، استطاعت أن تبرز نجاحات الليبرالية، لمواجهة المد الماركسي الذي اجتاح شرق أوروبا وبعض دول أمريكا اللاتينية.
لذلك من المهم والايجابي أن تتحقق الموازنة في جوانب الظروف والتغيرات الاقتصادية، مع عدم الركون إلى سلعة واحدة وحيدة معتمدة، ولابد من التنويع الاقتصادي، الذي يخفف من ردات الفعل المفاجئة للتغيرات الاقتصادية والسياسية.
والآن مع ارتفاع سعر النفط بما يزيد على أضعاف التوقعات، وهي زيادة جيدة تسهم في إيرادات الدولة، لذلك لابد من النظرة الايجابية لمراجعة الزيادات السعرية لأسعار المحروقات، وليس فقط التوقف عند السعر الحالي، بل لابد من مراجعة سعر المحروقات القائم، بما يتوازن مع أسعار النفط الحالية، فلابد من مراعاة ظروف المواطن أيضا، والأسرة تعتبر كياناً قائماً ضمن دولة، وعندما تضطرب يكون لها سلبياتها الاجتماعية، فالتوازن الذي نقصده أنه عندما تكون الظروف الاقتصادية للدولة مضطربة تتأثر حركة نشاطها في كل المجالات، مثل انخفاض أسعار النفط، باعتبارها السلعة الاقتصادية الأهم، أو في الظروف الأخرى التي قد تحدث، هنا يتحرك المواطن، ويتحمل العبء المنوط به كواجب وطني، لدعم الدولة، والوقوف معها، للخروج من التحدي القائم. أيضا من جانب آخر على الدولة نفس الواجب، بل وأكثر، لأنها مسؤولة عنه باعتبارها دولة وسلطة وراعية، عندما تنخفض أسعار النفط، فإن الدولة لكي تحافظ على قدرتها في تأدية واجباتها ومسؤولياتها الملقاة على عاتقها، تتجه لفرض الضرائب والرسوم، على الشركات والمؤسسات والأفراد، وفق تقديرات الظروف والتحديات. وعندما تتحسن الظروف بظروف أخرى جيدة، يفترض المراجعة لبعض ما تم من ضرائب، ومن رسوم وبعض مما جمّد من لوائح ونظم في مجال التوظيف.. الخ، بما يسهم في تخفيف الأعباء التي تشكل عبئاً على المواطنين، بما يحقق المعادلة المقبولة، وهذه الطريقة المتوازنة هي التي تجعل الطرفين يتقاسمان الأعباء ويتناغمان مع تطوراتها سلباً أو إيجابا.
بعض الدول التي استجابت لبعض توصيات البنك الدولي، وغيره من المؤسسات الاقتصادية الدولية، وقعت في مشكلات كثيرة، بسبب بعض التوصيات، لأن بعض الأفكار التي تطبق في دولة، قد لا تصلح في دولة أخرى. وعملية تطبيق النظريات الاقتصادية، من دولة إلى أخرى، دون معرفة واقع وظروف وأفكار دول أخرى، يعتبر خرقا للمراحل، وتجاوز للبيئة الفكرية المتوارثة، وبعض هذه الدول وقعت فى مأزق كبير اجتماعي واقتصادي، بسبب توصيات المؤسسات الدولية.. والنظريات -أي نظريات- ليست لوحة رسم كما يقول المفكر الجزائري ملك بن نبي ـ تنقلها من مكان إلى آخر، فلا يمكن أن تنجح الأفكار التي يتم اقتباسها من بلد إلى بلد آخر دون مراعاة ثقافة ووعي المجتمع وبيئته الفكرية، وهذه وقائع فشلت فيها دول عديدة، فالجزائر بعد الاستقلال، نفّذت ما سمي بـ"التصنيع وفق النظام الاشتراكي"، كما طبّق في الاتحاد السوفيتي، وفشل هذا التصنيع، وبعض الدول العربية طبقت النظم الاشتراكية، كما هو في أوروبا الشرقية، والبعض طبق الليبرالية برؤيتها العلمانية، كما هي في الغرب الرأسمالي، وكلها تقهقرت وراجعت مسارها في ذلك حتى دول أوروبا الشرقية غيرت مسارها أيضا، فالمهم أن يتحقق التوازن والمراجعة الدائمة للقوانين واللوائح، باعتبارها أحد المطالب المهمة التي تجعل التطبيقات والنظم تتناسب والظروف والمستجدات والتحولات الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية.. وآملنا أن تتم مراجعة أسعار المحروقات بعد الزيادة، وإذا ما حصل انخفاض للأسعار، فالمواطن هو السند الأول في هذا الأمر كما كان دائما وأبداً.