الكاتب


نعيمة قربع | المحرس - تونس


خطّ مئات الصّفحات وهو يلهث في أثر الجاني و يبحث عنه في كلّ شارع وزقاق .. دخل كثيرا من البيوت و تنقّل من مدينة إلى أخرى حاملا على ظهره غضبه .. يرافقه توتّره الذي لم يتخلّ عنه لحظة واحدة .. أنهكه الغوص في الكلمات و بين السّطور في الحركات وأعماق النّظرات في الصّمت نفسه وحتّى في طريقة التّنفّس .. لاحق الأسرار جميعها و لم يهدأ له بال حتّى كشفها .. غاص في دواخل الشّخصيّات و خواطرها و تعثّر بمفاجآت لم يكن يتوقّعها .. عثر صدفة على صناديق من الحكايات و صرر من الآلام و العقد و الكره والحبّ  والخيانة والقهر والحنين ... تقطّع نفسه وهو يركض من صفحة إلى أخرى ملوّحا أنّه اقترب جدّا من المعتدي وأوشك أن يقبض عليه قبل البوليس ... في كلّ صفحة إضافة و شكوك و تهمة تسقط عن واحد لتذهب إلى آخر وقد تعود إلى من سقطت عنه...
امتلأ شكّا في كلّ شخص وسكنه الاقتناع أنّ المجرم لا يبتعد أبدا عن مكان جريمته.. يظلّ حاضرا فيه.. قد يغادره بعض الوقت ثمّ يسرع إليه .. يتفقّده.. يراقبه يريد أن يطمئنّ أنّه لا يبدو في الصّورة ولم يفته إخفاء أثر من آثاره.. يظلّ يحوم حول المكان مهووسا بالرّغبة في مواصلة طمس جريمته ومعتقدا أنّ حضوره في حدّ ذاته يدفع عنه الشّبهات ويقرّبه من البراءة...
كان يلتقط أدقّ التّفاصيل و يتفرّس في كلّ الوجوه و لا يملّ من تكرار الرّوايات علّه يجد اختلافا و لو بسيطا ...
أرهقنا جميعا و أرهق نفسه بالرّكض قبل أن يتوقّف في الصّفحة الأخيرة و يدرك أنّ شخصا واحدا من بين كلّ هؤلاء أعدّ جوابا لأبسط الأسئلة و أتفهها ولم يتخلّ عن القضيّة أبدا و لم يغادر المكان آملا دفع التّهمة عنه و إعادة ترتيب الأحداث بما يوافق براءته وحده...  اكتشف مذهولا أنّ المعتدي لم يكن غير الكاتب نفسه وانهار معترفا...

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك