عُبودية العُرْف


د. فوزية البدواوية – سلطنة عُمان


قضايا المجتمع متعددة, ويكاد لا يمر يوم حتى نسمع عن قصة مُحزنة أو جريمة بشعة, يُثار لها الرأي العام, نحن نلوم الرجال دائما ونعتبرهم مصدر بؤس هذا العالم, ولو تأملنا السبب الرئيسي لوجدناه من الإناث, نعم من النساء, بالتحديد من الأمهات, فهي من تربّي الذكر على أنه رجل منذ صغره, وأنه يستحق شهادة الفحولة بصراخه وتعنيفه وتسلّطه على النساء, هي من تزرع فكرة أن الرجل (يشيل عيبه), وأن (هم البنات للممات), فتخرّج أجيالا من الشباب الخطيئة لديهم فعل مُباح, في حين يُهضم حق الفتاة حتى في التجربة, أقصد تجربة الخروج عن المألوف.
حقّها في التعبير عن الرأي, في ممارسة هواياتها, في السفر, في اختيار مجال التخصص الذي ترغب بدراسته, ومكان العمل الذي ترغب بمزاولة مهنتها فيه, في اختيار شريكها في الحياة, هي مُعابة كونها أنثى, وإن لم تُخطئ, وهو بريء كونه ذكرا ولو أجرم.
والآن أنا أسألكن يا أمهات, كم مرة عنفتّن فيها الفتاة لعدم سماعها كلام أخيها؟ وكم مرة ألزمتن فتياتكم على خدمة إخوانهم, الطبخ لهم, غسل ملابسهم, وغيره الكثير, لماذا لا يستطيع الشاب خدمة نفسه, وأهله؟
هل ذُكر ذلك في القرآن؟ هل ذُكر أن مهمة الطبخ والغسيل والكيّ, وتنظيف المنزل من وظائف الأنثى؟ هل ذُكر أن الفتى يحقُ له ضرب أخته وتعنيفها إذا لم تسمع له؟ أم أنتن من رضيتن لأنفسكن أن تحملن فوق طاقتكن, لتربيّن بناتكن على الفكرة ذاتها, وترضين الأمر لهن أيضا.
القصة التي حدثت في باكستان لأم تحرق ابنتها "زينات" حتى الموت, وتذيع الخبر بنفسها في قريتها أمام الملأ بأنها غسلت عارها لأن ابنتها قد تزوجت من شاب دون موافقتهم, هذا يجعلني أضع يدي على رأسي, فالتفكير العقيم فاق سقف التوقعات.
هذا وهي أمّ, تحمل ألطف قلب في هذا الكون, وهل يوجد قلب أحنّ من قلب الأم؟ تفعل بابنتها, فلذّة كبدها هكذا, فما بالكم بالبقية؟
ربما لا يحق لنا أن نلوم الرجال بعد اليوم فيما يسببونه من أذى للنساء, فما قدمته أم زينات يُشار له بالبنان من عبودية العادات والتقاليد, والعُرف, وبأن تخاف الأم من المجتمع ومن كلام الناس أكثر من خوفها من الله سبحانه.

 

تعليق عبر الفيس بوك