الاعتماد المتبادل والتكامل المنظومي

فوزي عمار

* كاتب ليبي

 

يعد المفكر اللبناني علي حرب أوَّل من قدم للقارئ العربي مفهوم الاعتماد المتبادل في كتابه المعنون بـ"الإنسان الأدنى"؛ إذ يشير حرب إلى طبيعة العصر والاعتماد المتبادل بين عدة عناصر في وقت واحد وإلى كم نحن في حاجة إلى ممارسة الفكر التركيبي للخروج بالحلول للمشكلات الراهنة المعقدة .

عالميا يعتبر المفكر الهندي أمارتيا صن والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد أحدث من تحدث بإسهاب عن الاعتماد المتبادل في كتابه "التنمية حرية"، كما أشار عالم الاجتماع الإنجليزي أنتوني جودنز في تعريفه لهذه الحقبة الراهنة التي نعيشها اليوم التي أسماها بالحداثة المتأخرة، أشار جودنز إلى الاعتماد المتبادل حين ربط هذا الزمن بين التغير السريع الذي لا يمكن ضبطه والتحكم فيه وبين الاعتماد على التقنية والتي من أبرز سماتها خروج تخصصات علمية جديدة لم تكن معهودة في السابق مثال على هذه التخصصات علم المعرفة أو علم الإدراك Cognitive sciences، وهي نتيجة اندماج علوم مثل البيولوجيا والمعلومات ومثل التقنيات المتحولة ومثل اندماج تقنية النانو والطب وهذه التراكيب أصبحت سمة العصر الجديدة، والتي جاءت نتيجة الابتكار والإبداع كمخرج من هذه التعقيدات والأزمات والمخاطر والتي نحتاج لحلحلتها إلى التفكير بطريقة المنظومة المتكاملة، التي بها يمكن النظر إلى كل العناصر المؤثرة وفي مصفوفة طولا وعرضا.

فالحل يبدأ أولاً من معرفة الأسباب والعلاج ليس فقط للأعراض عن طريق إعطاء المسكنات بل بوصف العلاج المتكامل الذي يراعي الأسباب أولاً.

وعلى مستوى المؤسسات نرى مفهوم الاعتماد المتبادل أصبح ماثلا للعيان أكثر من أي وقت سابق، فمثلا حل مشكل المواصلات والطرق نجد أنه يحل جزءا كبيرا من مشاكل الصحة لأنه يقضي أو يخفف من الحوادث المرورية.

وتحسين مخرجات التعليم وربطها باحتياجات سوق العمل يحل مشكلة البطالة التي تعتبر أم الكبائر لأنها تجر الشباب إلى المظاهر الهدامة وترفع مستوى الجريمة والتطرف.

وتحسين بيئة الأعمال سيرفع من مستوى دخل المواطن . وتحسين إجراءات تأشيرة دخول الأجانب سيرفع عدد السياح والمستثمرين، وتوظيف تقنية الاتصالات والمعلومات سيوفر الوقت ويقلل ازدحام الشوارع لأنه سيعطي دورا فاعلا للبريد والمصارف وشركات الكهرباء والماء وكافة المؤسسات في أداء عملها بكفاءة وفاعلية، وتحسين وسائل النقل واستعمال القطار السريع سيخفض من ارتفاع أسعار الأراضي والسكن، لأنه عندها لا يضطر المواطن للإقامة في وسط المدينة،

والقضاء على الفساد يٌسرع من تنفيذ برامج التنمية المستدامة لأن الفساد هو آفة الآفات، وهو البالوعة التي تتسرب إليها أموال الدولة.

والمقاربة الإستراتيجية في توظيف الثقافة والفن والإعلام والإعلان تقود إلى رفع حالة الوعي عند المواطن ولها دور جد مهم في التذكير بالوطنية والشعور بالهوية والحفاظ على الوحدة الوطنية ونتائجها مضمونة. وغيرها الكثير من الأمثلة التي لا يتسع المقام لسردها.

كما أن مفهوم الأمن القومي والعيش المشترك أصبح يتطلب المشاركة السياسية والتوزيع العادل للثورة وبناء مجتمع مؤسساتي كأساس لبناء دولة حديثة، الأمن القومي المؤسس على التنمية المستدامة بشقيها المادي والبشري والأمن الغدائي والمائي.

 ولكي نصل إلى هذا لابد أولاً من شراكة مجتمعية فاعلة والاصطفاف وراء الأهداف وليس وراء الأشخاص. ولابد أن تكون الأهداف واضحة داخل منظومة متناسقة. وأهم تحدٍ تواجهه أي حكومة عربية اليوم هو كيف تجعل أهداف المواطن تتناغم وأهداف المؤسسة، وكيف تتواءم أهداف المؤسسة مع أهداف الدولة. وفي هذا الإطار يظهر مشكل عزوف المواطن اليوم وتخليه عن مسؤولياته تجاه الدولة، كردة فعل سيكولوجية لا شعورية، لعدم رضائه عن الأداء الحكومي للدولة، متناسيا أن الدولة ليست الحكومة وأنه شخصيًا جزء من الدولة بل والجزء المهم منها. وما لم تتحقق أهداف الدولة فلن تتحقق أهداف المواطن، والعكس صحيح لأنه لا معنى لدولة لا تتحقق فيها أهداف مواطنيها، لأنه ببساطة هنالك الآن اعتماد متبادل وأن الهدف اليوم أصبح واحدا وما لم يكن الهدف واحدا سنخسر جميعنا مواطنون ودولة.

 

تعليق عبر الفيس بوك