علي كفيتان
لا شكَّ أنَّ عالم الفكر والكتابة يقُودك في بعض الأحيان لمعضلات ليست في الحسبان، ولا يختلف اثنان في هذا الكون على أننا أناس مُختلفون عن بعضنا البعض في الأفكار، والثقافة، والاهتمامات، ويكون ذلك بطبيعية الحال بناء على المناخ العام الذي يُحيط بكل منا، ولكن من أصعب الأشياء التي نواجهها أن يقوم الآخر بتفصيلك على مقاسه الشخصي؛ ففي أبسط الأمور مثلاً ليس بإمكاني لبس دشداشة ضيقة أو حتى الواسعة، وإلا شكلي سيكون مَدْعاة للسخرية، ولا يمكنني قبول ذلك بالطبع، لكن الأمر سيكون أكثر تعقيداً عندما نلتقي في دُكان الفكر والمعرفة والإدراك البشري؛ فليس هناك مقاسات مُحدَّدة سوى التي يضعها كل واحد منا لنفسه.
ويجب أن نعترفُ أنَّ المجتمع يُسهم بشكل أو بآخر في تأطير الفكر؛ فعندما يكون المجتمع منفتحاً، بلا شك سيحظى الفكر والإبداع بمزيد من المساحة الحرة، وسيقود ذلك للابتكار، ومن ثمَّ الرفاه المجتمعي المنشود، والعكس صحيح. ومن هنا، نستنتج أن التأطير المسبق يعمل على تقييد التقدم الإنساني في أي مجتمع؛ لأن القوالب -المستخدمة منذ حقب- باتت غير قابلة للتطبيق اليوم، ومهما كانت مهارة الخياط الذي كلف بالمهمة، فإنه لا محالة سينتج لنا ثوبًا مهلهلًا لا يعبر عمَّا بداخله.
... إنَّ المدارس الفكرية تتنافس على جلب المزيد من الطلاب إلى صفوفها، وفي ظل هذا الصراع وجدنا الفصول مُمتلئة بأجساد لا روح فيها بعد أن تتم تغذيتها بتعليمات قديمة لا يمكن تطبيقها؛ فكيف بنا اليوم أن نعود لاستعمال ما تركه العالم منذ قرون؟ وفي تجولنا غير المسبوق، وجدنا مجموعات منغلقة على نفسها، لا تؤمن بالتغيير، وتقوم بتفصيل كل الثياب المهترئة على أجسادها، رغم وجود الكثير من الخرق القادرة على ستر العورة الفكرية لهؤلاء؛ فالعالم لم يعد منغلقا، والبشرية تتسابق لمزيد من الابتكار.
تُصدِّقون أم لم تُصدِّقوا، فهم لا يؤمنون بوصول الإنسان للقمر، ولا بالنظريات العلمية التي يركبونها في سفرهم عبر كل وسائل النقل، وعندما تحدثهم عن المناخ الملائم اليوم في بلادنا، يجرك إلى غياهب التخوين ودهاليز الفساد، ويرغي ويزيد، ثم يعود أدراجه ليمارس مهارته الوحيدة وهي التذمر؛ فلا يمكن لأمة أن تنهض إلا بتوعية هذه الشرائح المعطلة من المجتمع.
وهناك من يقول إنَّ علينا عدم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لكي نصبح مجتمعا منتجا، وهذا الأمر يستحيل تطبيقه اليوم في عهد الفضاء المفتوح الذي استباح كل الخصوصيات؛ فالصين واجهت هذه الجائحة الفكرية بحظر معظم مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة، وقامت بإنتاج نماذج تتطابق مع قيم الأمة الصينية، ورغم ذلك يتم اختراق كل تلك الجدران التي صنعوها للحفاظ على كينونة مجتمعهم من الغزو الجديد، وهذا يبين لنا أن علينا أنْ لا نقيد أفكارنا ولا نجبر الغير على ارتداء ثيابنا، بل نشجعهم على الإبداع لتفصيل كل ما يتلاءم مع المتغيرات الجديدة التي تعتري أجسادهم.
سألني أحدهم يوماً: أنت تكتب لمَن؟ استغربتُ السؤال، ثم أجبته بأنني أكتب للجميع، عندها قال لي: لكن الكثيرون يقرؤون، فأجبته مجدداً لأنني أكتب ما يمليه علي ضميري الإنساني ومحبتي لهذا الوطن.. في هذه الاثناء انصرفَ وهو غير راضٍ؛ لأنَّني لم أوافق على لبس الثوب الذي أراد أن يهديني إياه مجانا؛ لأنه باختصار لا يُلائم فكري.
--------------------
نقطة نظام: قد لا نستطيع العيش بتجرُّد تام، لكن علينا أن نُقنع ذواتنا بأنْ نحترم فكرنا، وهذا ما يجعل الصورة أكثر نقاءً أمام الجميع مهما اعتراها التراب، وحاول الكثيرون تغطيتها بخرقهم البالية.. عُمان بلدٌ بناه السلطان -حفظه الله ورعاه- ولم يضع حدودًا لأفكارنا وطموحاتنا، ويستحق منا الوفاء بأن نحقق أحلامه وتطلعاته لغد مشرق لعُمان.
alikafetan@gmail.com