1440 هـ


هُـــدَى الحوسني – سلطنة عمان


لم تبدأ الرحلة فِيه بعد في الْوقتِ الّذِي شرعتُ فيه لِكِتابة مقال بِتارِيخه كانت تفصلني عنه أيام .. كنت حينها أعبر طريق جليوب فِي مَدينةِ صلالة حيث كُنا نَتحدى رذاذ الجبال الْمُثقل بِدخان السحاب، بِزيادة ضوء السيارات، والسير على مهلٍ وحذرٍ .
حينها بدأ أمامي الْمشهد يصورُ  بِدقةٍ السنة الهجرية الجديدة  الّتي سنقبل عليها بعد عشرِ يقظات صباحية، وتحديدًا الثلاثاء الّذِي سَيُصادف أول أيامِ هذه السنة، وعلى الرغم مِنْ أن كُلّ سنةٍ جديدةٍ تشرعُ فِي فَتحِ رِتاجها لا ترسلُ لنا صيحات عالية حتّى ندرك أعمارنا وهي تدخل فيها، و تغوصُ فِي أعماقها وتتحدُ مع جسمِ الروحِ لِتضيف إِليه حياة آخرى، إلا إنه وقبل أن تتثاءب لِتبتلع العام بأسره وتبلل الشهور بِمياه لُجَّةٍ، وتلفظُ أيامها كلها يجبُ أن ندرك وجودنا الحي فيها وهُنا أتحدث عن حَيَويَّةِ الإنسانِ لا عن حياةِ الإنسانِ!.
تلك الحيوية الْماجدة مِنْ حياةِ الإنسان الْمعلقة بِنجمات الثُرَيَّا، الْمربوطة بِأعلام النصر، الْمشدودة بِقِلادة النور، والحارسة الْمُؤتمنة على مَنارةِ الْقلبِ، قبل أن تهبّ رياح مُغادرتها، وتعزفُ مُوسيقاها للإنِصراف مِنْ طابُورِ الْحياةِ، فَتعيش بعدها حسرة الضمير التي رُبما لن تنصرف.
فَقبل أن يبدأ جمر هذا العامُ بِالاشتعالِ، وتتدحرج شهوره على الأحجارِ لِتسقط أيامه فِي وادٍ غير ذي زَرعٍ، تَأمل خروجك من الغروبِ وأنت تبدأه بِراكعاتٍ عند قدميّ الحياة، كيف يصل الغروب إلى السكينة والوداعة اللتان ينهضُ بهما الليل لِيعلمك الجزء الأهم مِنْ حاجةِ الروح الْبشرية والكياني الإنساني، ثُمّ تأمل وتفكر في دخولك  الدخول الأعظم فِي شروقٍ جديدٍ لن تتطأه أقدام قلبك جيّدًا حتّى تستحمُ الروح بِماءِ الفجر، وتغتسلُ الجوارح للصلاة الّتي تتمدّد عندها الحياة وتعيد ألقها.  وبصفتك الإنسان حامل الأمانة الْعُظمى ثق أن هُناك أشياء جديدة ستخرج لك في هذا العام قد تكون جيّدة، وقد تكون غير ذلك، والسير في ممراته قد يكون سيرا مُضاء، وقد يحلّ فيه الظلام مُبكرا، فلا تبتأس فيكون يأسك أكبر من كُلّ همّ، فهذا هو مَشهدُ الحياة الثابت _ التغير _  يُسر وعسر،  ضيق واتساع، فلتبقى يداك مرفوعتان فوق كأس الحياة لا تتوتران عند أيّ اصطدامٍ.
فَجدران هذا العامُ غُلفت حديثًا بورقِ الياسمين، وما تزال رطبة لا تجف إلا بِإذن ربها مهما جفت جدران قلبك و حياتك فالحياة هُنا ما تزال ندية بامتياز. فكن الحياة الّتي تكشفُ عن الزهرِ وتفتحُ الرغبة للتجدد، وتنزع الدبابيس مِنْ أظرفِ البلاءِ لتمطر منها المنح والأجور. سَرَّبْ الحياة إلى قلبك ولو مِنْ ثقبٍ تمرُّ منه نملة، ألتقط كُلّ نتفٍ من الحوار الذي يدور بينك وبين الكون، بينك وبين روح الحياة، بينك وبين قلبك، يجب أن تتبينه كله.  فأنت كالبناء المُغلق مفتاحه فِي يديك مهما أرسلت لك الظروف الصعبة هدّامين ما دخلوا إليك ولا هدّم بناء قوتهُ أنت نفسك وعقلك وروحك. جدد أمل المُحبين العارفين فيك حتّى لا يبرد حماسك، ويجمد شغفك، وينقطع غنائك. فَكيف تدعو الْحياة أن تأتي إليك وأنت الحياة وأَملها!.

 

تعليق عبر الفيس بوك