فتــــاة القمـــــر


جود الفويرس  - طرابلس - ليبيا


في جنح الليل، تظهر لِي فتاة من القمر؛ وضّاءة لامعة، ولا تُنير شيء من المكان إلاّ نفسها، عيناها مشرّعتان كمحارتي لُؤلؤ يانِعة، يتقطّع وهجها من حيث قُدّتْ من الفضاء الرّحب!، وقد شُقّت من دون أن تتألّم ما بين ذراعها والجزء العلوي من جذعها!.
 تبدو لِي حقيقيّة كالسّماء، أنظر إليها فأستدلُّ بما فيها عليها، لكنّ السّماء بعيدة، وهذه الصّبية إن مددتُ يدي للمستها، فعلتُ ذلك ذات مرّة ... فوبّختني!.
تظهر في غرفتي كلّ يوم، وأنا أستعدُّ للقائها كلّ يوم، نتحدّث وتردد لِي بصوتها التموّجي كالصّدى إنّها ما أوّد أن أراه، لكنّها ليست ما أستطيع الحصول عليه أبدًا!.
سألتها عن اسمها ذات يوم .. قالت: بأنّ لا اسم لها، وإنّها تحمل معنى فقط !، وبأنّها كـ اللا سواد في محض البياض، تتجسّد في معنى النّفي الذي يسبق الرّضى !.
 كانت حين تختفِي تترك فراغ لا يمتلِئ في وُجودي الخاص، أتساءل في أمري من بعدها وحسب، لماذا تأتينِي أنا وحدِي؟، وما هو المعنى الذي تجسّده؟، لماذا تحتجزني في حُلم لن أصحو منه ولن أفيق فيه؟.
مضى "مُحمّد" ثلاث أشهر على هذا الحال، غارت عيناه وتحلّقت من قلّت النوم، أصبح لا يُطيق أحد، ويحتسي ما يكفي من المنبهّات ليظلّ صاحيًا آناء الليل حين تداهمه فتاة القمر!.
لمُحمّد زوجة تتسّع بها الرّوح وتقرُّ لها العين، وكان يراها قبيحة، وضعت لَه فتاة وهو الرّاغب بالولد، كرهها وكرِهَ الفتاة معًا، وكرِه بيته أيضًا، يحلم بقصر أن يكون منزله، وإن كان  منزله نضيف رحب لا يشكوا من شيء، زوجته الصّالحة بفطرتها الطّالحة بعينه تحتمل ما لا تقدر عليه وتعضّ على العلقم من أجل صغيرتها .. كان الرّجل ساهمًا في تمنّي ما لم يُقَدّرُ من العيش له، ضارِبًا بنعمه زوايا مثلث برمودة !.
كل ما يملكه كان لا وُجود له في ذهنه، يحيى في أضغاط مرأة جميلة وولد يحمل إرثه الذي لا وُجود له !، وقصر يظلل عليهما بظلال من الجنّة!.
مرّت السّنين والرّجل على حاله، طلّقته زوجته بعد أن طال صبرها عبثًا وابتعدت للعيش بعيد عنه.
في دهاليز مثلّث برمودة اختفى مُحمّد، يفتح نافذته كلّ ليلة لآخر حياته متأمّلًا القمر، يلمع شيب رأسه الفضّي في ضوئه الخافت، غير واعِي لما فقده دون أن يظفر به..
غدا مُحمّد فقيد المعنى كـ اللا بياض في محض سواده، وحيدٌ دون أن ينفي نفيه للرّضى سابقًا، دون أن يأكّد على غلطه ليصلحه !.

 

تعليق عبر الفيس بوك