سر المادة 25 من الدستور الأمريكي يهدد مستقبل ترامب

"الانقلاب من الداخل".. السيناريو الأسوأ الذي يخشاه ترامب

 

 

"خيانة".. هذه ليست صرخة بطل في إحدى مسرحيات الكاتب الإنجليزي وليم شكسبير، أو حتى مشهد الصدمة بفيلم أمريكي أنتجته هوليوود، بل هي الكلمة التي غرَّد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أعقاب الافتتاحية المُجهّلة المصدر التي صدرت بها صحيفة نيويورك تايمز العريقة، في عدد الأربعاء الماضي، والتي فجَّرت عاصفة من التوتو والغضب في أروقة البيت الأبيض، فضلا عن دوائر صنع القرار وفي أوساط المراقبين حول العالم.

الرئيس ترامب، ومنذ احتلاله المكتب البيضاوي، بعد انتخابات أثارت جدلا ولا تزال، عزل وعين الكثير من المسؤولين في إداراته؛ سواء في البداية بمن وقفوا بجواره في المارثون الانتخابي، أو المعنيين بقضايا الأمن والاستخبارات، أو المسؤولين الإداريين داخل مؤسسة البيت الأبيض، وحتى الوزراء في حكومته، وهي تحركات تعكس مدى خشية الرئيس من الدائرة المحيطة به وتوجسه الدائم -فيما يبدو- من أن تأتيه الطعنة من أقرب أقربائه، وساعتها لن يستطيع أن يقول "حتى أنت يا بروتس؟!".

الرؤية - أحمد عمر

 

 

ومصطلح الخيانة يوحي دوما بأن ثمة تحركا داخليا قد تم للنيل من رأس السلطة، لا سيما من داخل المطبخ الحاكم، وفي حالة المقال المجهَّل المصدر الذي نُشر في نيويورك تايمز كانت الخيانة -بحسب ترامب- متحققة بالفعل، فبدلا من أن يقدم هذا "المخُلص الوطني" لبلاده استقالته من منطلق النأي بالنفس عن هذه الإدارة التي يراها تتصرف على نحو خاطئ، قرر التغيير من الداخل، والوقوف في وجه العاصفة مُضحِّيا بنفسه، وهو ما أعاد للأذهان مسألة عزل الرئيس واحتمالية عدم استمراره في منصبه حتى نهاية الفترة الرئاسية. غير أن هذه المرة تأتي مسألة العزل أو المساءلة من بوابة دستورية أخرى، وهي التعديل الخامس والعشرين من الدستور الأمريكي، والذي يتيح لعدد من أعضاء الإدارة (الحكومة) الأمريكية إبلاغ الكونجرس باعتقادهم أن "الرئيس لم يعد قادرا على أداء مهامه"، وهي المنطلق الذي قد يدفع المجلس المنتخب ويسيطر عليه حتى الآن أغلبية جمهورية، إلى بدء إجراءات العزل عبر مساءلة الرئيس. لكن في المقابل، لا يزال يتمسك البعض بأن نجاح هذه الخطوة أمر بعيد المنال، حيث إن الاجراء يتطلب أغلبية الثلثين من الكونجرس وغيرها من التعقيدات الدستورية والإجرائية.

وبالعودة إلى المقال المنشور في الصحيفة الأمريكية، تحت عنوان "أنا جزء من المقاومة داخل إدارة ترامب"، نجد أن كاتب المقال -إذا صح أن هناك كاتبا بالفعل- يقول إنه يجتهد مع آخرين ويعتبرون أنفسهم "جبهة مقاومة" داخل البيت الأبيض والإدارة الامريكية بشكل عام، وكال الاتهامات للرئيس ترامب بأنه "تافهة" و"متهور" و"غير فعال"، وهذا يدفع إلى الاستنتاج بأن هذه الجبهة تنوي التحرك لاحقا لاتخاذ "إجراء ما" إذا ما زاد ترامب في "تهوره" وأضر بمصالح الولايات المتحدة - من وجهة نظر هذه الجبهة.

ترامب استبق كل تلك التكهنات وسارع بتغريدة غاضبة بعبارات من عينة "لا أحد يعلم من هو/هي بحق الجحيم"، ثم شكك بالكلية في مصداقية المقال، واعتبره جزءًا من "حملة التضليل" التي يمارسها "مزيفو" الأخبار، والذين لا يمل ترامب من اتهامهم بالتضليل والتزيف الإعلامي متى ما سنحت له الفرصة.

ومع تطوُّر التداعيات، دعا ترامب وزير العدل جيف سيشنز لإجراء تحقيق مع صحيفة نيويورك تايمز، باعتباره مسألة تتعلق بالأمن القومي، كما أعلن أنه يبحث إمكانية اتخاذ إجراء ضد الصحيفة، دون أن يوضح حقيقة هذا الإجراء. لذلك؛ تسعى الإدارة الامريكية بكل جهدها في الوقت الحالي لكشف هوية كاتب المقال، وبالتوازي خرجت سيدة البيت الأبيض ميلانيا ترامب عن صمتها وردت عبر رسالة مكتوبة إلى قناة "سي.إن.إن"، مخاطِبة كاتب المقال قائلة: "أنت لا تحمي هذه البلاد، بل تخربها بأفعال جبانة".

ولعلَّ من سوء حظ الرئيس ترامب، أن المقال نُشر بُعيد الكشف عن فقرات من كتاب "الخوف" للصحفي الامريكي الشهير بوب وودورد، يؤكد فيه الأخير أن كبار مساعدي الرئيس والدائرة المقربة منه قد لا تنفذ أوامره وتوجيهاته التي يرون أنها تهدد بـ"تدمير البلاد".

وتساءل الكثيرون في واشنطن وخارجها عن الهُوية الحقيقية لكاتب المقال، وما إذا كان يمثل "مجموعة" داخل البيت الأبيض ويتحدث باسمهم؟ وما مدى قربه من دائرة صُنع القرار الأمريكي؟ حتى إن الصحفي ديفيد فون دريل كتب في صحيفة واشنطن بوست، أن جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي هو كاتب المقال المجهّل المصدر، وعلل وجهة نظره بعدة أسباب، في مقدمتها أن كوشنير أكثر من سعى بكل طاقته -داخل الإدارة الأمريكية- لكبح جماح الرئيس وعرقلة شطحاته، مستشهدين بأن قصصا تؤكد صحة هذه الفرضية تخرج للعلن شهريا تقريبا. ويضيف دريل أيضا أن كاتب المقال أراد إيصال رسالة مفادها أن الرئيس مجنون، وأن هناك أناسا خيّرين حوله، وهنا يمكن القول إن كوشنر هو الفاعل، كي يظهر لاحقا بصورة المخلّص الذي أنقذ بلاده من والده بالمصاهرة، وهنا يبدأ كوشنير -الذي تحوم حوله العديد من علامات الاستفهام- رحلة الصعود الحقيقية نحو أحلامه السياسية.

ورغم حالة الجدل التي تصاحب الرئيس ترامب منذ ترشحه في 2015، واستمرارها حتى منتصف ولايته الرئاسية، إلا أنَّ الجزم بمستقبل ساكن البيت الأبيض غير قائم إلى الآن، فلا يزال الرئيس ترامب يمارس مهام عمله كرئيس لأكبر دولة في العالم، وأكثرها تأثيرا، ولا تزال التسريبات تتوالى من داخل إدارته، والجميع يترقَّب بشدة، ما ستسفر عنه انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس، علَّها تكون مفتاح اللغز المغير.. هل سيتم عزل الرئيس؟!

تعليق عبر الفيس بوك