محمد خَلاَّد – الرباط – المغرب
قال صاحبي مهزوماً بغُربته:
اِنتَهتِ الحرب
ولم يبْقَ غير العوْدةِ للدِّيار
اِنْدَحر العدو وانتصرنا
وهذا نَشِيدُك الوطني
فاعزِفْ على أوْتار نَصْرِك
1
تَرَدَّدْتُ قليلاً
كُنتُ مقطُوعَ اليدين
وفِي حنجرتي رصاصة
وابني فقدته في البحر
يوم توَسَّد قميصه الأحمر
وتكفَّنَ بالمِلْح
فكيف أُغنِّي؟
2
أقْنعْتُ نفْسي: لِمَ لا أعُود
قد أُرَمِّمُ وُجُودِي من جديد
وأزرع كجديّ الحقول
في أرضٍ زَهتْ دائماً فيها الشُّموس
أوقفني شُرطِيُّ الحُدود
قال : هذا يوْمُ نصْرٍ كبير
فردِّدْ نشيدَ الدخول
"فَلِمْ لا نَسُودُ ولِمْ لا نَشِيد؟"*
3
مدَدْتُ البصر
وراء الأسلاك أبحثُ عن وطن
فأرْعَبني ما رأيت
على أنقاضِ بيتي دبََابة
و أعوادُ مشنقة
وبقايا لعبة طفلي الذي لم يعدْ
ورمادٌ يَتَّقِدْ
4
كيف أغني؟
أنْكَرَنِي النشيد
وأنْكرتُه
فماكان هذا وطني
وما صار لي وطن
5
مضَيْتُ خفِيفَ الوطء ،
أمشي على الأشلاء
لاترابَ ولا أشجار
أشباحُ موْتى
نحِيبُ نساء
وغِرْبان حزينةٌ أتْخَمَتْها الجثث
لم أَجِدْ شيئاً
ولا شبراً في الخَراب
6
آه ياخَلِيلِي !
أَوْصَدْنا أَبْوابَ الفَراديس *كُلِّها
لا نهْرَ رقْراقَ أرى
ولا الربيعَ الّذي خبّأْناهُ في السُّحب
ليْتَني احتمَيْتُ بالعواصف
وحضنتُ ابْنِي والبحْرَ والغَرْقى
ومخرْتُ العُباب
7
كلُّ ماكان
انتهى وغَارَ في الزمان
هل سيُولد طِفلي غدا
هل سيستيقظ من نومه
في أعماق اليَمّ
ويعبر أسوار المدينة المدنَّسة بالدم؟
8
صِحتُ : لا
أيُّ طِفلٍ جميلٍ أضَعْت!
وجلسْتُ على حافة اللانهاية
أسمع حشرجَتَه
يخْنُقُها الموج
وفِي داخلي كان عَبْدُ الله بن الأحمر
يخرج من غرناطة
ينفث زفرتَه الأخيرة
ويبكي
9
واقفا أتَّكِئ على أَلَمي
قلتُ :كم سأبكي أنا
أمام باب السلام*
ليس لي طريقٌ آخر
إلى بلدي؟
وشرعتُ قبل موْتي
أحفر قبْري
في تُرَاب جسَدي
———————
*قفل النشيد الوطني السوري للشاعر خليل مردم بك
* باب السلام وباب الفراديس: بابان من أبواب دمشق السبعة.
...............
اللوحة للفنان التشكيلي السوري
خالد الخاني