البداية من القصير والنهاية في إدلب

حمد العلوي

 

لقد كتبتُ مقالًا في يونيو 2013م، تحت عنوان "هل معركة القصير بداية النهاية؟"، ونُشِر في جريدة "الوطن" العُمانية، وبالطبع معركة القصير لم تكُن الأولى بالنسبة للجيش العربي السوري، ولكن تلك المعركة كانت تاريخًا لمشاركة حزب الله في الحرب على الإرهاب، وهذا الأمر كان معلوماً يومذاك بأنَّ الحزب سيدخل الحرب على خط الأزمة السورية، وقد أعلن البعض أنه تفاجأ بدخول حزب الله الحرب إلى جانب سوريا، ولم يُفاجئني -كمراقب ينظر للأمور بمنظار موضوعي، وليس منظارا عاطفيا- أنَّ السيد حسن نصر الله سيأمر المقاومة اللبنانية بالذهاب للقتال في سوريا؛ لأنه كان يقول دائماً ومُحذراً إننا سنكون حيث يجب علينا أن نكون، فاقتضى الواجب أن يتغدوا بالخصم في سوريا، قبل أن يتعشى بهم عدوهم في لبنان، وهم يعلمون أن المخطط الذي رُسم في الغرب، ويُنفذ بأيدي ومال العرب، وعلى أرض العرب أيضاً يجب أن يُنفذ؛ بحيث يُحقِّق نتيجة تصبُّ في مصلحة الغرب وإسرائيل؛ وذلك بدمار حزب الله وسوريا معاً؛ وبالتالي الوصول إلى إيران، وعندئذ تَهْنأ إسرائيل وتسرح وتمرح في ساحة هُزِم أهلها بأيديهم.

إذن؛ قرار حزب الله الدخول إلى سوريا، وهذا فِعْلٌ كانت تُمليه الضرورة، التي كان تقديرها يساوي الحياة بالإقدام إلى سوريا، أو الموت قاعداً في لبنان على أرض الحياد الكاذب، كما قالت ذلك بعض الطوائف اللبنانية، وكانت مُشاركة في تسهيل مُرور الإرهابيين إلى سوريا؛ وذلك بتكليفٍ خارجيٍّ مدفوع الثمن، أو قل على وعد بدفعه لاحقاً، كما هي طبيعة الحال في لبنان دوماً؛ حيث يستغني البعض عن الوطنية، مقابل الدولار للأسف الشديد، ولكنَّ الشيء الجيد في هذا الحزب، أنه لا يخفي أيَّ فعل يقوم به، كما لا يُخفي علاقته بإيران وسوريا، أما أحزاب أخرى، فإنها تعلن الحياد في العلن، ولكن الواقع غير ذلك تمامًا، ولا تعلن ولاءها وتوهم من لا يعرف واقع الحال أنها منحازة كليًّا مع الغرباء، حتى لو هدَّد الإرهاب الجميع، فتلك المدن السورية كان أكثرها مُتواطئاً مع الإرهابيين، فلما أذاقوهم الويل والثبور وعظائم الأمور، أعلنوا كُفرهم بما تمَّت تسميتهم بالثوار أو المعارضة، فعادُوا يطلبون نار النظام ولا جنة الإرهابيين.

إنَّ الرحلة مع الحرب طالتْ؛ حيث جاوزت سبع السنوات؛ وذلك منذ بداية الخريف العربي في العام 2011م، ولكن إذا علمنا هول التدخل الغربي، وإخلاص أدواتهم وتفانيهم لهم، وهم ليسوا بأدوات عادية، وإنما امتلاكهم لثروات قارونية، تجعلهم الأخطر على الأوطان، هذا من حيث الإمكانيات المادية، وامتلاكهم دعاة الدين الضالين المضلين، أجمعوا كل عناصر النصر، ولكن الله حاكم الكون بحكمة ورحمة منه، هيَّأ جنده من البشر لوقف العدوان والطغيان، وأشغل بعضهم ببعض، حتى يدب الخلاف بين أدواتهم في ساحة القتال، كما أن صمود سوريا وعزيمة حزب الله، ودهاء الإيرانيين، وعدم التردُّد في شد أزر محور المقاومة، ودخول القوة الروسية المعركة، بإصرار وعناد "بوتنيين" لا ينكسران، أفسد على القوم الظفر بالصيدة، الذي كان دور العرب فيها دور كلب الصياد.

لقد ظلَّ الغرب يُحافظ على دواعشه من الانقراض، فكلما ضاق عليهم الخناق، قاموا بضربات جوية ضد المدافعين عن الوطن العربي، ويستعجل إرسال الأسلحة الفتاكة لهم، فيتم إنزالها بالمظلات في ساحة المعركة، وأنشأوا تحالفاً ستينيًّا للدفاع عن الدواعش، وقدَّروا مدة المعركة بثلاثين عاماً، يتم خلالها احتلال الخارطة العربية من المحيط إلى الخليج، لكن قدَّر الله وما شاء، فانتصر الكفار والروافض والنصيريين والعلويين والمجوس والصفويين، وكل مسميات التنابز التي اخترعها مطاوعة التحريض والكراهية، وذلك على ألسنة المتميزة من العرب، وألسنة الأمريكان، وألسنة الإسرائيليين، وألسنة البريطانيين، وألسنة الفرنسيين، وكل من وقف مع الدولة اللا إسلامية، خيّبه الله وأخزاه، لأنَّ الله مع القوم الصادقين المخلصين الصالحين، وليس مع الطغاة المستبدين الظالمين المفسدين في الأرض، والجميل في الأمر أنَّهم نسُوا الإسلام، واكتفوا بمصطلح "السنة"، ولكنها حتماً ليست سُنَّة محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم.

إنَّ الكذب البيِّن هو ما يُكرِّره حلف الشَّر بقيادة أمريكا وأدواتها، فكلما ضاقت الحلقات على أدواتها، افتعلوا مشهدا كيماويا، فإن لم يستطيعوا توفير المواد الحقيقة للتمثيلية، خطفوا الأطفال من الشوارع، ورشوهم بماء حنفيات الإطفاء، وهذه مسرحيات صار يجيدها أصحاب الخوذ البيضاء والأفعال السوداء، فاليوم ومع اقتراب إسدال الستار على معركة الحرب العالمية الثالثة، يُعيد الغرب مسرحية الكيماوي، ورغم تحذير روسيا من تكرار نفس التمثيلية، فإنَّ الغرب مُصرٌّ على تكرار نفس المسرحية، لأنَّه يحتاجها لإلهاء للرأي العام الداخلي، الذي ما زال بعضه يظن أن هناك جوانب إنسانية تهتم بها دولهم -وطبعاً هذا غير صحيح- وإنما يريدون تدارُك الفرصة الأخيرة، لحماية دواعشهم الذين تم جمعهم في إدلب، وما أدراك ما إدلب التي ليس بها حافلة خضر واحدة.

وبنهاية معركة إدلب، ستُستعيد سوريا كل أرضها المختطفة من قبل دواعش الإرهاب والمرتزقة، وكان المؤمّل من إدلب أن تفرخ قطعان الأشرار، حتى يتم تصديرهم ضد كل من لا يدين للأمريكان والغرب بالطاعة والولاء، وعلى رأس الدول المستهدفة الصين وروسيا وإيران، وهذا الغرب لا يعيش إلا على خراب خصومه الافتراضيين وخلق العدوات.

لقد اقتربت ساعة الحسم من تطهير سوريا من الدواعش؛ وذلك كمواجهة مباشرة، وإن حلف المقاومة بقيادة روسيا، سوف لن يُضيّع جوهرة النصر، وذلك لحرب استمرت أكثر من سبع سنوات، وإن تهديدات أمريكا وبريطانيا وفرنسا بمسرحية الكيماوي لن يُؤثر على العملية الخاتمة للفيلم الطويل المُمِل، وروسيا كقوة عظمى لن تقبل أن تُهزم، وتُضيِّع جهودها في سوريا على مدى أربع سنوات مضت؛ لأنها لو هُزمت "مثلاً" في سوريا، ستنهزم في المنطقة العربية بأكملها، وسيُؤثر ذلك على سُمعتها في العالم، وسيشجع أمريكا للاستمرار في غيِّها ضد روسيا، وسيعود المهزوزون من العرب للارتماء في أحضان أمريكا والغرب، كعشيقيْن فصلا ثم عادا -مع الاعتذار لصاحب هذا البيت من الشعر- وفي كل الأحوال، فإنَّ الغرب وإسرائيل لن يوقِفَا الدَّس والدفع بأداوتهما إلى التخريب في سوريا وغيرها من بلاد العرب، حتى يتحقق حلم إسرائيل.

إنَّ قرع الغرب طُبول الحرب ضد سوريا هذه الأيام، يعدُّ مُغامرة خطيرة جداً؛ لأنَّ الأسباب المزعومة واهية وكاذبة جدًّا، فأطفال سوريا الذين يقتلهم الإرهابيون وأطفال اليمن كذلك، وإن كانوا بشراً، لم ينظُر إليهم الغرب المنافق والمرتشي كبشر، ولم يهتز له جِفن عليهم، رغم هول ما يحدث لهم من قتل وتنكيل بهم وبأهلهم، وأطفال فلسطين لا يُحركون ضمائر الغرب، ولا أطفال ليبيا ولا أطفال أفغانستان، ولا الملايين من أطفال العراق، التي قالت عنهم وزيرة خارجية أمريكا يومها إنهم ضريبة الحرب. إنَّ بلوغ قمة الظُّلم والطغيان، لا بد أن ينحدر منها الظالمون إلى قاع مكرهم، ولأنَّ المتصرِّف بالكون ليست أمريكا وزبانيتها، ولكن الله، فإنه يمدُّ للظالمين مدًّا، فيمكر بهم كما مكروا بخلقه، ومكر الله أشد وأقوى من مكر البشر.

إنَّ معركة "إدلب" سيكون الوضع بعدها في سوريا مُختلفاً عن كل وضع سابق، وبرغم أن معركة حلب كانت الأهم والأكبر، ولكن من خلال إنجاز معركة إدلب، سيُعلن نصر الأمة العربية، أما الخونة والعملاء فليس لهم علاقة بهذه الأمة، وسيكون محور القيادة في دمشق، وذلك حتى تعود الأمة العربية إلى وضعها الطبيعي، وستكون روسيا قبان الميزان حول العالم، ولن تجرؤ أمريكا على الهيمنة على العالم، طالما وجدت أمامها خصمًا ندًّا مُجرَّبًا، ولن يجدي بعد اليوم استحداث مُحلِّل ديني إسلامي، يُكفر روسيا ويحضُّ على محاربتها، ويغفر لأمريكا كافة خطاياها نيابةً عن الله في الأرض، ويفرض طاعتها العمياء.. إذن، حقاً ستكون إدلب معركة النهاية، كما كانت معركة القصير البداية.