التوقيت الخاطئ لتطبيق ضريبة القيمة المضافة

خلفان الطوقي

 

حَضرتُ جسلة حوارية، الأسبوع الماضي، للفريق الشبابي "والله نستاهل"، ومعي اثنان من الخبراء العُمانيين في المجال الاقتصادي؛ لمناقشة موضوع الساعة، وهو موضوع تطبيق ضريبة القيمة المضافة وفوائدها وعيوبها وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.. اتفقنا في جُزئيات، واختلفنا في البعض الآخر، وهذا ما يُثري الحوار والنقاش، ويبيِّن ما كان غائبا عن آذان وأعين مُتخذي القرار، خاصة إذا كان الموضوع يخصُّ مستقبل الوطن والمواطن. وفي هذا المقال تلخيصٌ لِمَا تم الاتفاق والاختلاف عليه.

من ناحية المبدأ، تمَّ الاتفاق على ضرورة تطبيق ضريبة القيمة المضافة على المنتجات والخدمات إذا أُريد لأي اقتصادٍ الاستدامة والاستمرار بخُطى ثابتة، يستطيع من خلالها مقاومة الصدمات، وعدم الاعتماد على مورد مُتقلب في الأسعار تحكمه قوى خارجية وتتحكم فيه أسواق عالمية كسعر برميل النفط، لكنَّني اختلفتُ معهم في توقيت التطبيق، ولي مبرراتي في ذلك، والتي سوف أُلخصها في الفقرة القادمة، داعيا جميع المتخصصين في المجال الاقتصادي إلى الاختلاف معي ومناقشة وتداول هذا الملف الحساس بمزيد من التمحيص والدراسة، والبحث العلمي، بُغية الوصول إلى ما يضمن ديمومة متانة الاقتصاد العماني، وبما يضمن رفاهية المواطن والمقيم.

ملخص مُبرراتي أن توقيت تطبيق ضريبة القيمة المضافة غير مناسب في بداية 2019 كالتالي: السياسات التقشفية الحكومية في عامي 2016 و2017 واستمرارها في 2018 أدت لنقص حاد في الإنفاق الحكومي، وبالتالي أثَّر سلبا على الأداء التجاري لمؤسسات القطاع الخاص بكل فئاته؛ مما انعكسَ على جميع حلقات الدورة الاقتصادية في البلاد، خاصة وأنَّ القطاع الخاص العماني يعتمد في عملياته التجارية بأكثر من 50% على الإنفاق الحكومي، وأي تأثير في هذه النسبة سيُلقي بظلاله على بقية الحلقات كالبناء والتعمير والصرف على الكماليات...وغيرها من أوجه الصرف المختلفة، أضف إلى ذلك تأجيل الترقيات، وتقليل نسبة التوظيف الحكومي إلى أدنى النسب، ورفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والمياه.

ومن الأسباب الجوهرية -التي لم أذكرها في المقالات السابقة- أنَّ نسبة كبيرة من بضائعنا مُستوردة من دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، وقد طبَّقت هذه الضريبة؛ مما يعني أنَّ عند وصولها إلينا ستكلف المستهلك المحلي ضريبة مضاعفة؛ مما يعني تحميل المواطن والمقيم أعباءً مادية إضافية، وبإرجاء قرار تطبيق ضريبة القيمة المضافة فإنَّ المواطن والمقيم سيتشجع على إبقاء أمواله داخل عُمان، وبالتالي تنشيط الدورة الاقتصادية المحلية بدلًا من صرفها خارج عمان؛ مما يُكسب السلطنة ميزة تنافسية للمستهلك في اختيار بلاده، وللتاجر العماني في إقامة تجارته في الأدوات والبدائل الاستثمارية والتجارية المتاحة له في نطاقه المحلي، وإمكانية تشجيع المستثمر الخارجي وسهولة جذبه من البلدان التي طبقت هذه الضريبة، وقد لاحظ الكثير منا في الآونة الأخيرة هجرة عدد من هؤلاء المستثمرين إلى عمان، وقد يتزايدون لو تمكَّنا من تسويق هذه الميزة التنافسية بجهود مركزة ومشتركة في الأيام المقبلة.

خُلاصة القول.. يبقى تطبيق ضريبة القيمة المضافة موضوعًا قابلًا للنقاش المعمَّق، ويحتاج استعراضَ المزايا والعواقب، والنظر إليه من زوايا مختلفة، ومراعاة التوقيت المناسب، ودراسة الظروف الداخلية والخارجية المواتية، ودراسة آثاره القصيرة والمتوسطة والطويلة، وحجم وظروف اقتصادنا، والمستوى المعيشي للمواطن والمقيم، وأنماط إنفاق وسلوكيات كل منهما، ومدى مقاومتهم ووعيهم لمثل هذه الضريبة، وأن يكون التطبيق من عدمه مُبنيًّا على دراسات علمية محلية تتناسب مع المعطيات والواقع العماني، خاصة وأنَّ هذا الموضوع سيادي، ويمس حياة الإنسان بشكل يومي، ولكل بيئة اقتصادية معطيات وظروف يجب مراعاتها أولا وأخيرا؛ فمثل هذه القرارات قد تتحملها اقتصاديات بلدان معينة، وتؤثر سلبا على بلدان أخرى، ويجب أخذ كل بلد حسب معطياته وظروفه.