الرئيس الأمريكي في مأزق.. والتجديد النصفي لـ"الكونجرس" يحسم "المساءلة"

عزل ترامب.. فرضية "المكيدة السياسية" تضعُف أمام "الانتهاكات القانونية"

...
...
...

الرؤية - أحمد عمر

 

يحفل عالم السياسة بالكثير من المكائد والمؤامرات، والمؤكد أنَّ البعض منها ينجح في تحقيق الأهداف المرسومة، والبعض الآخر لا يحرز الغايات المنشودة.. وفي الولايات المتحدة الامريكية التي يراها كثيرون أنها "الديمقراطية العظمى في العالم"، تكثر المكائد، بل وتصل إلى المكتب البيضاوي في قلب البيت الأبيض، مقر الحكم الامريكي ومركز صناعة القرار العالمي.

الأزمة الحالية التي تهدِّد استمرارية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منصبه، تنطوي على عدد غير قليل من الملابسات والأحداث المتعاقبة منذ إعلان ترامب نيته الترشح لرئاسة أمريكا وحتى الآن، ومن غير المرجح اعتبار أن الأزمة ناجمة عن "مكيدة سياسية" كما يظن البعض، والتي يروج لها الرئيس ترامب من منطلق وجهة نظهره الراسخة بأن "الإعلام المضلل" وراء ما يحدث من تداعيات، وأن ثمة محاولات تسعى للإطاحة به من السلطة. لكن في المقابل تؤكد "الانتهاكات القانونية" من قبل حلفاء ترامب، حجم المأزق الذي يعاني منه الرئيس، واحتمالية أن يؤدي ذلك إلى توجيه اتهامات إلى ترامب تفضي في النهاية إلى مساءلته، والتي قد تنتهي بإقرار عزله من السلطة.

التوقعات بعزل ترامب، لم تظهر للعلن في الآونة الأخيرة بعد التطورات الأخير الخاصة بمايكل كوهين محامي ترامب، ولا المدير السابق لحملته الانتخابية بول مانافورت، لكنها بدأت مع انطلاق أول شرارة عن فضيحة التدخل الروسي في انتخابات 2016.

ورغم ذلك، يجادل البعض بشأن إمكانية "مساءلة الرئيس President impeachment"؛ إذ يذهب فريق إلى عدم إمكانية حدوث ذلك في ظل الهيمنة الجمهورية على الكونجرس، وأن الاحتمال ربما يتضاعف في حالة تغير ميزان القوى في الكونجرس عقب انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر المقبل، والتي قد تسفر عن تحقيق الديمقراطيين للأغلبية التي تسمح بمساءلة الرئيس. لكن أيضا قد لا تنتهي المساءلة بعزل ترامب، فقد حدث أن جرى مساءلة رئيسين أمريكيين من قبل دون عزلهما؛ حيث سبق مساءلة الرئيس آندرو جونسون في العام 1868، والرئيس بيل كلينتون في 1998، إلا أنه في الحالتين لم توافق الأغلبية المطلوبة في مجلس الشيوخ على عزل أي منهما، وبقي الاثنان في موقعهما. وتبدأ عملية المساءلة في مجلس النواب إذ يمكن لأعضائه أن يتقدموا فرادى بمشروعات قرارات لمساءلة الرئيس مثل مشروعات القوانين العادية أو يمكن للمجلس أن يبدأ الإجراءات بالموافقة على قرار بالتفويض في إجراء تحقيق. وتستلزم مساءلة الرئيس الموافقة بأغلبية بسيطة في مجلس النواب، غير أن عزل الرئيس من منصبه يتطلب موافقة أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ. وفي حالة عزل الرئيس يتولى نائبه قيادة البلاد لحين إجراء الانتخابات الرئاسية العادية التالية.

ولم يتطرق الدستور الأمريكي إلى مسألة اتهام الرئيس صراحة أو مقاضاته جنائيًّا، وسبق أن قال عدد من الخبراء القانونيين إنه لا يمكن اتهام الرئيس أثناء شغله منصب الرئاسة، وإنه إذا ارتكب الرئيس جريمة فإن المسار المناسب في تلك الحالة هو المساءلة البرلمانية. وينصُّ الدستور الأمريكي تحديدا على أن من الممكن عزل الرئيس بتهمة الخيانة أو الرشوة أو غيرها من "الجرائم الكبرى والجنح". ولم تبت المحكمة العليا الأمريكية فيما إذا كان من الممكن توجيه الاتهام لرئيس وهو في منصبه، إلا أنَّ مذكرة أعدتها وزارة العدل عام 2000 خلصت إلى أن الإجراءات الجنائية ستتعارض على نحو لا يمكن السماح به مع قدرة الرئيس على أداء مهام وظيفته. وقال خبراء آخرون إن من الممكن توجيه الاتهام للرئيس على أساس أنه لا أحد فوق القانون.

ومن جهة ثانية، يرى الفريق الآخر، وعلى رأسه ترامب نفسه، أن الاتهامات الموجهة إلى كوهين ومانافورت لا تمثل "جريمة"، لاسيما وأنَّ مسألة الاتهام بانتهاك قوانين تمويل الانتخابات ينفيها الحديث بأن الأموال التي دفعت لامرأتين كانتا على علاقة قديمة بترامب، تأتي من مصادر شخصية وليست من أموال الحملة الانتخابية. ودفع ترامب بعدم ارتكابه أو علمه بارتكاب مخالفات تمثل جرائم، وأكد في أكثر من حديث أنه لم يرتكب انتهاكات تنطوي على جريمة. ويدعم وجهة نظر ترامب تأكيدات خبراء قانون بأن الانتهاكات الانتخابية لا تمثل جريمة، وأن عقوبتها لا تتجاوز الغرامة المالية، وأنها لا تفضي أيضا على الحكم بعدم صحة نتائج الانتخابات التي فاز بها ترامب. وقال ترامب في تغريدة له على موقع تويتر إن مخالفات تمويل الحملة التي اعترف بها كوهين "ليست جريمة"، رغم أن المدعين وكوهين أقروا بأنها جريمة، بيد أن ترامب لم يقدم أي دليل على صحة اعتقاده. وكان محاميه رودي جولياني قال إن الأموال التي دفعها كوهين أموال شخصية ولا علاقة لها بالحملة. وكان كوهين محامي ترامب السابق شهد بأنه رتب "بناء على توجيه" من الرئيس لدفع مبالغ ضخمة من المال قبل انتخابات الرئاسة في 2016 لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز، ونجمة مجلة بلاي بوي السابقة كارين مكدوجال. وقالت الاثنتان إنهما كانتا على علاقة بترامب رغم أن الرئيس نفى ذلك. وأدلى كوهين بشهادته بمحكمة في نيويورك في إطار صفقة مع الادعاء، أقر فيها بارتكاب مخالفات فيما يتعلق بتمويل الحملة الانتخابية، والتهرب من الضرائب، والاحتيال المصرفي.

ولعلَّ ذلك يدفع للتساؤل حول ما إذا كانت مخالفة قواعد التمويل في الحملات الانتخابية جُرم يمكن أن يُعرِّض صاحبه للمساءلة. ويختلف الخبراء القانونيون فيما إذا كان من الممكن مساءلة ترامب على أساس الادعاء بأنه وجَّه كوهين لمخالفة قواعد التبرع للحملات الانتخابية. وللكونجرس صلاحية تحديد "الجرائم الكبرى والجنح"، وقال الخبراء القانونيون إنه رغم استرشاد الكونجرس بالقانون الجنائي الأمريكي، فهو ليس مُلزما به.

وتنقل وكالة رويترز على آندرو رايت -أحد المستشارين القانونيين للرئيس السابق باراك أوباما- قوله: إنَّ إقرار كوهين بالذنب يمثل مُبرِّرا كافيا لبدء تحقيق يهدف لمساءلة الرئيس. وأضاف رايت: إن الدستور يشير إلى أن مؤسسي الدولة اهتموا باحتمالات إساءة استخدام السلطة، وهو ما يشمل أي محاولة لتضليل الشعب أثناء الاستعداد للانتخابات.

لكنَّ خبراء آخرين قالوا إنَّ ترامب قد يدفع بأن الأموال التي تم دفعها للمرأتين لا تشكل جريمة؛ لأن الغرض كان حماية سمعته لا التأثير على الانتخابات. وحتى إذا كان الغرض من دفع هذه الأموال هو التأثير في الانتخابات، فإن بعض أساتذة القانون يجادلون بأن مخالفة تمويل الحملات الانتخابية تعاقب في العادة من خلال عقوبات مدنية، ولا تصل إلى مستوى الجرائم الكبرى أو الجنح. ومن ثم فلا يوجد ما يبرر المساءلة.

وتصاعدتْ حِدَّة الجدل حول هذه المسألة، وأعلن البيت الأبيض رفضه الشديد التلميحات بأن صفقة قانونية أقر بموجبها كوهين بالذنب في تهم جنائية، تَعني تورط الرئيس في ارتكاب جريمة. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز -خلال إفادة صحفية- "كما قال الرئيس، وكما قلنا نحن مرارا، فهو لم يرتكب أي خطأ. لا توجد اتهامات ضده.. الصفقة القانونية التي أبرمها مايكل كوهين لا تعني أن هذا يدين الرئيس بأي شيء".

وقد أقر كوهين بالذنب في ثماني تُهم جنائية؛ تشمل: التهرب من الضرائب، والتحايل المصرفي، وانتهاك قواعد تمويل الحملات الانتخابية. وكشف كوهين للمحكمة الاتحادية في مانهاتن أنَّ ترامب أصدر إليه أوامر بترتيب مدفوعات قبل انتخابات 2016 الرئاسية لإسكات امرأتين قالتا إنهما كانتا على علاقة مع ترامب.

ونشرت شبكة فوكس مقتطفات من مقابلة أجرتها مع ترامب؛ قال فيها الرئيس إنه علم بأمور المدفوعات التي قدمها كوهين "في وقت لاحق"، لكنه لم يذكر أي تفاصيل. وبعد أن نفى في بادئ الأمر علمه بأي شيء عن تصرفات كوهين، أقر ترامب هذا العام بأنه رد لكوهين أموالا دفعها في أواخر 2016 لستورمي دانيالز -وهي ممثلة إباحية، اسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد- وزعمت دانيالز أنها كانت على علاقة بترامب. وأصر ترامب على أنه دفع لكوهين من أمواله الخاصة، وأن هذه المدفوعات لم تهدف إلى تحقيق المنفعة لحملته، لكن لحل مسألة شخصية. وقال ترامب في المقابلة مع شبكة فوكس: "لم تؤخذ (هذه الأموال) من تمويل الحملة. هذا أمر جلل. لم تأت من الحملة. كانت مني".

وجادل منتقدو ترامب بأن حجة الرئيس بأن المدفوعات لدانيالز وعارضة بلاي بوي السابقة كارين مكدوجال مسألة شخصية، هي في الحقيقة حجة واهية بسبب توقيت تلك المدفوعات الذي سبق الانتخابات بأسابيع قليلة.

وقال بول إس.ريان مدير قسم الشؤون القانونية في مؤسسة "كومن كوز": "لو كانت هذه مسألة شخصية، فلماذا لم يُدفع لها بعد انتهاء العلاقة أو في العقد التالي لها؟... الانتخابات هي التي أعطت قيمة لقصتها".

وقال لاني ديفيز محامي كوهين، إن موكله لديه معلومات ستهم المستشار الخاص روبرت مولر الذي يحقق فيما إذا كانت حملة ترامب الرئاسية عام 2016 تآمرت مع روسيا للتأثير على الانتخابات. وأسس ديفيز موقعا إلكترونيا لتلقي التبرعات من أجل نفقات كوهين القانونية.

ووصف السناتور تشاك شومر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، في كلمة أمام المجلس، ترامب بأنه "شريك في المؤامرة"، وطالب بتأجيل جلسة تأكيد ترشيح بريت كافانا المرشح لتولي رئاسة المحكمة العليا حتى أوائل سبتمبر بعد تطورات قضية كوهين.

تعليق عبر الفيس بوك