عبيدلي العبيدلي
في لقائه مع رئيس وزراء الكيان الصهيون بنيامين نتنياهو، الذي جاء في مُستهل جدول أعمال زيرته الأخيرة للقدس المحتلة، شدَّد مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، على أنَّ الهدف الرئيس وراء ذلك اللقاء هو بحث "أنشطة إيران" في المنطقة. من جانبه أكد نتنياهو، أنه ينوي "بحث العديد من القضايا التي تهم الطرفين، خاصة الاستمرار في صد العدوان الإيراني في المنطقة وضمان عدم امتلاكهم أبدا الأسلحة النووية".
ليس هُناك ما يُثير الانتباه بشأن الزيارة، او حتى عند الحديث عن اتفاق واشنطن وتل أبيب على البحث عن أفضل السبل لحماية الكيان الصهيوني ضد كل ما يعتبره الاثنان مهددا لأمن هذا الأخير. لكن الجديد في الموضوع هو ذلك التصريح الذي سبق وصول بولتون إلى القدس المحتلة، وأدلى به إلى شبكة "إيه. بي. سي نيوز"، مؤكدا فيه "أن لدى الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا هدفا مشتركا، يتمثل في طرد القوات الإيرانية والقوات التي تقودها إيران من سوريا، وإنهاء دعم إيران لجماعة حزب الله اللبنانية". وهذا يعني أن لدى واشنطن وتل أبيب إشارة ضوء أحضر من موسكو تخولهما بالعمل على تقليص، إن لم يكن إنهاء الوجود الإيراني العسكري في سوريا، وربما يكون ذلك مقدمة لعلاج ذلك الوجود في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
تتضاعف أهمية هذا التصريح، عندما ندرك أن بولتون يعد من أبرز الصقور الأمريكية في الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، عندما يتعلق الأمر بمعالجة الوجود الإيراني في الشرق الأوسط، كما أنه سبق له وقابل "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو، قبل أسابيع من قمة بوتين وترامب، في هلسنكي، وأكد بوتين لبولتون أن روسيا راغبة بخروج إيران من سوريا"، وفقا لما نقلته صحيفة هآرتس الصهيونية من جانب، وكونه "سيزور في إطار جولته هذه أوكرانيا وجنيف، حيث سيجتمع بنظيره الروسي نيكولاي باتروشيف" من جانب آخر.
وقبل الحديث عن إمكانية وصول المثلث الأمريكي-الصهيوني-الروسي إلى صيغة جديدة حول تحجيم الوجود الإيراني في المنطقة، لا بد من التوقف عند تطور العلاقات الروسية-الإيرانية خلال الفترة الأخيرة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية في الشرق الأوسط، وهي علاقات تتميز بالتعقيد والتشابك؛ نظرا للمكانة التي تحتلها هذه المنطقة في خارطة العلاقات الدولية من جانب، وبسبب التداخل العرقي والإثني والطائفي، بل وحتى الديني الذي يحدد العلاقات الداخلية بين ممثلي هذه الفئات، وتضارب مصالح هذه الأخيرة من جانب آخر.
وفي هذا المجال، يُحاول الباحث سعد الحمداني في دراسة له حملت عنوان "العلاقات الروسية الإيرانية 2003-2010"، أن يحدد المصالح المشتركة التي طوَّرت هذه العلاقة خلال تلك الفترة، قائلا: "تحاول روسيا العمل على استغلال إيران في إطار خطة تتضمن اعترافا واقعيا بضعف موسكو النسبي في منطقتي القوقاز والشرق الأوسط، مقارنة مع موقف الولايات المتحدة، مع رغبة موسكو في إزاحة واشنطن من المنطقة؛ كونها منطقة حيوية سياسيا وعسكريا؛ فالأرباح الجيوبوليتيكية لإضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة ترجح على أي مخاوف من إيران نووية؛ وبالتالي فإن روسيا لا تنظر إلى إيران كتهديد ولكن كشريك وحليف لتحدي القوة الأمريكية من خلال توسيع نفوذ روسيا الإقليمي والدولي، وتهدف هذه الإستراتيجية أساسا إلى إيجاد عالم متعدد الأقطاب؛ حيث تحاول كل من روسيا وإيران إضعاف القوة الأمريكية وإعادة بناء قواعد المؤسسات المالية الدولية الحالية، وإضعاف الحلف الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتكوين تحالف مضاد يكون كثقل موازن للهيمنة الأمريكية من الأرجح أن يضم روسيا وإيران والهند والصين وفنزويلا وسوريا".
تشخيص قريب من هذا الذي يراه الحمداني تُشير إليه ترجمة مكي المعمري عن "ناشيونال إنترست"، في مقال تشير فيه إلى أن روسيا أقامت تحالفا مع إيران "لم يسبق له مثيل، في الشرق الأوسط... كان التعاون الروسي-الإيراني محورياً لضمان بقاء نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.... وبات من المرجح بشكل متزايد أن تبرم موسكو وطهران صفقة أسلحة كبرى لتزويد الجيش الإيراني التقليدي بالأسلحة المتطورة. ولكن السؤال الأساسي يبقى: هل الشراكة بين موسكو وطهران زواج مصلحة على أساس مصالح متقاربة بشكل مؤقت، أو أنها تشير إلى تطور جديد ربما يكون له تأثير عميق على المصالح الأميركية في المنطقة؟.... ولكن رئيس الولايات المتحدة الجديد، دونالد ترامب، قد أشار إلى رغبته في تحسين العلاقات بين واشنطن وموسكو. قد ترى إيران -الأضعف بكثير من روسيا- شراكتها مع موسكو تضعف أو تنهار لو تقاربت الولايات المتحدة وروسيا بوجود ترامب رئيساً للبلاد".
نلفت هنا إلى أن العلاقات الروسية-الإيرانية لم تكن حسنة بشكل مطلق، فكما يقول الكاتب شريف مازن الباحث في "المركز الديمقراطي العربي"، إن روسيا "دائماً ما تعطى الأولوية في سياستها الخارجية للجانب الأمريكي، حتى وإن كان على حساب حلفائها؛ فالعلاقات مع الولايات المتحدة أكثر أهمية من وجهه نظر موسكو مقارنة بالعلاقات مع طهران. ولعل أبرز مثال على ذلك استجابة روسيا لطلب الولايات المتحدة الخاص بتعليق صفقة صواريخ إس-300 لطهران الخاصة بحماية المفاعل النووي الإيراني، مقابل أن تقدم الولايات المتحدة تنازلات في قضية الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية".
هذا يعكس شيئا من عدم الثقة بين البلدين، فكل منهما، يحاول أن يعزز علاقاته مع الآخر؛ لأنه "يخشى أن يبيعه الآخر للغرب؛ لأنَّ كلا منهما يحلم بتحسين علاقته مع الغرب". لذلك تقترب العلاقة الإيرانية-الروسية في الشرق الأوسط من صيغة الشراكة، بدلا من معادلة التحالف الإستراتيجي، وهذا يفتح الأبواب واسعة أمام كل من تل أبيب وواشنطن كي تلج من تلك الأبواب، ليس بالضرورة من أجل إنهاء تلك العلاقة، بل في سبيل تحجيمها، ووضعها في إطار لا يشكل تهديدا إستراتيجيا لأي منهما.