النظام العالمي الجديد.. مشروع ترامب

فوزي عمار*


أظهرت أزمة سقوط الليرة في تركيا ارتدادات خروج المنطقة من "مشروع أوباما"، والذي لعبت فيه تركيا دورا مهما من خلال تهديم سوريا، وإرسال التكفيريين لها، ودعمهم في ليبيا، من خلال الحليف السياسي "الإخوان المسلمين". فشل المشروع وسقوطه ومجيء ترامب للسلطة دفع بمشروع جديد، مشروع اعترف ببقاء الأسد الذي حاربه أردوغان، والذي استفاد من بيع نفط سوريا المهرَّب بثمن بخس من خلال "داعش" التي أسهم الأتراك في تأسيسها مع الصهاينة ومخابرات دولية.
المنطقة دخلت في مشروع ترامب الجديد، والذي تأسس على تحالف أمريكا والصين وتفاهم مع روسيا. الخاسر الأكبر هو أردوغان وقطر بصورة عامة، فقد وضعت تركيا وقطر ثقلهما السياسي والمالي في مشروع أوباما الذي أسس له الأمريكي جيفري فيلتمان والبريطاني جونثان باول. باول الذي تقول الأخبار غير المعلنه إنه يُحَاكم في بريطانيا الآن.. جونثان باول صاحب فكرة "الحديث إلى الإرهابيين" التي نشرها بكتاب يحمل نفس الاسم.
النظام الجديد الذي يقُوده ترامب يقوم على محاربة إيران؛ فلكلِّ وقت لابد من خلق عدو كذريعة وهدف وهمي للمشروع الحقيقي، وهو الإبقاء على الدولار حيا حتي بعد ما وصلت ديون أمريكا إلى 20 تريليون دولار (كما صرح الرئيس ترامب في حملته الانتخابية).
بدأ ترامب في إغلاق أهم متنفس لإيران وهو تركيا، قبل البدء في المشروع والذي سيدخل حيز التنفيذ مع الحزمة الثانية للعقوبات الأمريكية على إيران في 4 نوفمبر 2018.. وهو حصار النفط والغاز. وبهذا تفقد تركيا الحصول الغاز الإيراني الرخيص، وتفقد مشروع تصدير الغاز الإيراني عبر ميناء جيهان التركي في البحر المتوسط.
تزامنت هذه الخطوة السياسية مع المُشكل البنيوي للاقتصاد التركي القائم أصلا على القروض، والمدعوم مما تبقي من مشروع أوباما.
التقارب التركي-الروسي أيضا أزعج ترامب، فشراء تركيا صواريخ S400 الروسية يُمثل تهديدًا للحليف وشريك الناتو الذي لديه قواعد أمريكية (انجيرليك). جزء من النظام العالمي الجديد هو الإبقاء على المنطقة في اليمن ملتهبة، وستتكفل بعثة الامم المتحدة المدعومة من أمريكا بذلك حتي يتم ابتزاز الخليج الغني بالنفط، والتحكم بسعره لمصلحة خطط أمريكا، ولحصار أوروبا أحيانا، خاصة ألمانيا التي اتجهت نحو روسيا في مشروع خط الغاز نورد ستريم2.
الحليف التركي العنيد لا يريد أن يستسلم بسهولة، ولا يريد الاعتراف بالفشل إلا بعد وقوع الكارثة، وتهاوي الاقتصاد؛ لذلك ما زال يأمل دعم قطر ببعض المليارات، وارتباط تركيا مع أوروبا، وانكشاف بعض بنوكها على الليرة. لكن تركيا عليها قروض بقيمة 438 مليار يورو؛ منها: 180 مليار يورو وجب موعد سدادها خلال سنة واحدة، وعجز في ميزان المدفوعات وصل العام الماضي إلى 77 مليار دولار. ومهما رفعت سعر الفائدة للمرة الرابعة بأكثر من 17% فلن تصل لربع المبلغ.
ولقد خفَّضت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني لتركيا إلى +B. الصدمة قوية والمشكلة أكبر، والبنك الدولي لن يُسعفها إلا بشروط أمريكا الجديدة، وهي قبولها بالمشروع الجديد.. أولا: حصار إيران والابتعاد عن روسيا ثانيا، ثم بقاء الأسد ثالثا.
* كاتب ليبي

تعليق عبر الفيس بوك