إنسان من رمز وعظم


شعر: أحمد الماجد


إلى الراحل محمود درويش في مكان كنايته المؤقت

لأنك كنت مفاجأةً
فزت الأبجدية من نومها
رقص الرمز صفق زغرد
أحرج إيقاعها
ثم تلَّ تثاؤبها لانتفاضة وعيٍ
يؤلفُ شعرًا بأجراسِه
حبرُهُ الصوتُ
والنصُّ جيشٌ من الأغنياتِ
وبارودُ معنىً وتصويبةٌ
ورصاصُ صدى

لأنك كنت مفاجأةً
كنت شمع العروبة، كعك الهوية، عيد القضية
والشعر كان المصور
كان يوثق لحْظاتك الأبدية
وقفتُك البندقيةُ
كان يوثق دبكةَ موتٍ وكأسَ خلودٍ
وعرسَ مدى

لأنك كنت مفاجأةً
كان حزنك يدهشُ، سعدُك يدهشُ، شوقُك يدهشُ،
عمرُك يلتفُّ مثل شريط الهدايا
ووحدك كنت ترابًا وماءً وملحًا ومدًّا وعمقًا
ووحدك تكفي لتخلق بحرًا
وتترك حيفا ويافا وعكا
مرافئ حنجرةٍ
وتصون بطوفان سردك أعيُنها العربية
تبقى لتأريخها نُصبَ وعدٍ
وساحةَ أمنيةٍ وتظلّ تسيجها مولدًا مولدا

لأنك كنت مفاجأةً
فالقصيدة قنبلةٌ والدواوين معركةٌ
والمجازاتُ كتفُ شهيدٍ
وكنت القذيفة نحو القلاعِ
وكنتَ الحجارة في قبضة الأمنيات
وكنت انتفاضةَ كل المعاني بوجه الرتابة
كنت تدافع خلف متاريس نبضك
يا طلقة الشعرِ يا ثورةَ الرسم
يا كارْكاتيرَ الغيابِ
ويا لوحةً من خيالِ الردى

لأنك كنت مفاجأةً
ثم كان من الرحم نحوك يمتد حبلٌ من السر
كان شريطَ هداياك للأرضِ
والزغردات القرى
والدروبُ الشوكولاتةُ
الأرضُ عيدُكَ
والسنواتُ رخامٌ من الحرم المقدسيِّ
لآخر رمزٍ يقاومُ وطءَ العِدى

لأنك كنت مفاجأةً
ستظل جديدًا تظل قديمًا
تظل تهمُّ كلحظة إبداع نصٍّ لتكتبَ ميلادكَ
الآن تكتبُ والآن تكتبُ
يا للقصائد من موعدٍ مستمرٍ
على ورقٍ تنحني وتفاجئُ قبرك
مطلعُ درويشَ شِعرُ القيامةِ
إن فلسطين سوفَ تغادر نصَّ الشعارِ
إلى شاعرٍ عائدٍ من صدى حزنه
فارسًا مجهدا

لأنك كنت مفاجأةً
لستُ أخشى على القصة اليوم أن تنتهيْ
لستُ أخشى عليك من القبرِ
في كل شكل لديكَ مباغتة وانطلاقٌ وأبطالُ سردٍ جريئ
وسيناريو عاصفتين
وتلويحُ زيتونتينِ
وحقلٌ عنيدٌ
ونافذةٌ من غبارٍ
وبيتٌ لدرويشَ تحتَ الركامِ بدا فبدا

لأنك كنتَ مفاجأةً
سيظلُّ عدوكَ في النص يسهرُ
يبحث عنك وبين جيوبك
آخرَ حرفٍ للفظ فلسطينَ
كنتَ تخبئ تحت لسانكِ
كنتَ تخبئ شكل البلاد القديمةِ في كبريائك
تحقن حبرَ الخريطة داخل شريانكَ الأبجديِّ
ويكفي بأنك ما بعد بعد غدٍ
ستحينُ مفاتيحَ شمسٍ وتفتحُ للعائدين الغدا

لأنك كنت مفاجأةً
لم تحن رغم حينك
كنت لأمسك مستقبلا
كنت ما لم يلح بعدُ للناظرين إليكَ
وكنت كلامَ السراب الذي لم يقلهُ
وكنت كأنك كنت كأنك كنت كأنك
تشبه ما لم تؤكده عينُ الزمانِ
وأكثر ما استوعبته اختصارٌ
سيلقى ببئرك دلو الخلودِ
فلم يمض عمرك عمرُ فلسطينَ
للذكرياتِ سدى.

 

تعليق عبر الفيس بوك