حمود بن علي الحاتمي
قرية المارات الوادعة في أحضان جبل شمس المطل على ولاية الرستاق تعد قبلة السائحين الباحثين عن السكينة والهدوء، تضم حوالي مائة بيت ويقطنها عدد كبير من الأهالي ينضم إليهم أقاربهم الذين يقطنون مركز الولاية في فصل الصيف هربًا من ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف.
تمتاز القرية بمقومات سياحية تتمثل في انخفاض درجات الحرارة في الصيف ووجود النباتات المتنوعة والأشجار ذات الروائح العطرية الرائعة ويعتمد سكانها على حرفة الزراعة؛ حيث يزرعون الرمان والمشمش والخوخ والتين وغيرها من المزروعات وكذلك اختصها الله ببديع صنعه بتكوينات صخرية تسحر من يشاهدها.
قرية المارات هي إحدى قرى جبل شمس وتطل على ولاية الرستاق إلا أنّ الوصول إليها من مركز ولاية الرستاق يتم عبر طريق طويل يبدأ عن طريق الرستاق- عبري ومن ثمّ عبري- بهلا- الحمراء ومن ثمّ الصعود إلى جبل شمس، وهو ما يشكل تحديا كبيرا لأهالي القرية وقد عملوا جاهدين على توصيل طلبهم إلى وزارة النقل والاتصالات بشق طريق لهم من قرية "يقا" مرورا بقرية "يصب" وصولا إلى قريتهم في مسافة لا تزيد عن عشرين كيلومترا، إلا أنّ رد الوزارة جاء مخيّبا لآمالهم في كل مرة بعدم وجود الوفورات المالية وهذا الرد كان قبل هبوط أسعار النفط والأزمة المالية واستمر الحال إلى الآن.
ناصر بن سعيد الحاتمي من أهالي القرية يعلن عن مغادرته للقرية معللا بعدم وجود خدمات في القرية وأنّ المكوث بها أصبح صعبا ومكلفا؛ حيث نقطع مسافات بعيدة وعدم وجود خدمة الاتصالات وشبكة الإنترنت رغم مطالباتنا لمشغلي الخدمة بتوفيرها، إلا أنّهم أداروا ظهرهم، ولم يعيرونا أي اهتمام. ويشاركه في الرأي جاره راشد الذي قال "عانينا هذا العام من شح المياه بسبب عدم هطول الأمطار وعدم توصيل شبكة المياه للقرية ونعتمد على نقل المياه من ولاية الحمراء في صهاريج والصهريج يكلف 50 ريالا وقت الأزمة وفي الأيام العادية خمسة وعشرين ريالا وهذا مرهق لنا".
ويضيف جارهم سليمان "الحياة في القرية أصبحت صعبة بسبب بعد الخدمات الصحية عن القرية وبالتالي المكوث بها صار من الصعوبة بمكان والانتقال إلى مركز الولاية هو الحل لتوفر جميع الخدمات".
أمّا بدر بن سالم الحاتمي فقال "أذهب كل مرة إلى عمانتل لتقديم طلب تزويد الخدمة ويتم صرفي بحجج واهية بأنّ تقديم الطلب قديم ويحتاج إلى تجديد، ومرة أخرى أنّ المحطة بعيدة والأمر يحتاج إلى دراسة جديدة، وأنا أفكر هل الرسائل الخاصة بتقديم الخدمة لها تاريخ صلاحية وانتهاء مثلها مثل المعلبات الغذائية!! أليس ذلك استخفافا بعقولنا !!!".
الأهالي في القرية يرغبون بالبقاء لكن عدم توفر أدنى الخدمات الأساسية هو التحدي الأبرز الذي يواجههم حيث عبّر بعضهم عن استعداده للبقاء في القرية متى ما توفرت هذه الخدمات. وهم بذلك يبعثون برسالة إلى الجهات المعنية ومفادها في الوقت الذي تبحث فيه الحكومة عن تسكين المواطنين في قراهم الجبلية بتوفير الخدمات الأساسية لهم من صحة وتعليم وطرق وشبكات اتصالات وغيرها من الخدمات، فإنّ قرية المارات بحاجة ماسة لهذه الخدمات، لكن بقاؤهم بالقرية مرهون بتوافرها.
الأهالي في القرية لم يلمسوا ذلك الاهتمام من الجهات المعنية وفي كل مرة يتم التعامل مع طلباتهم بالرفض، ويقولون في كل مرة نحصل على وعود إلا أنّها تذهب أدراج الرياح وحتى المرشحين لمجلس الشورى والمجلس البلدي يعلنون أنهم سيوصلون طلباتهم مما يجعل الأهالي يقبلون على التصويت في كل مرة بكثافة عالية، غير أنّ ذلك لا يجدي نفعا مما أصاب الأهالي بالإحباط.
مغادرة الأهالي للقرية سوف يؤثر على السياحة في البلد والتي تعد من روافد الاقتصاد العماني، خصوصًا وأنّ حجة الجهات المعنية بقلة عدد السكان هي حجة ضعيفة، كون هذه الخدمات عامل جذب سياحي يستفيد منها الأهالي والسياح في آن واحد.
والسؤال: أين استراتيجيات تنويع الدخل التي تتحدث عنها الحكومة؟ أين هي استراتيجية السياحة 2040؟
لا سياحة بدون خدمات، كما أنّ الاستثمار في البنية التحتية يسهم في تنشيط السياحة، وبالتالي الحاجة هنا ماسة لدراسة احتياجات الأهالي قبل أن نخسر قرية تعج بالحركة اليومية فتصبح غدًا من الأطلال بسبب مغادرة الأهالي لها.
الأهالي لا يطالبون بالمستحيل بل يطالبون بخدمات حكومية تقدم لكل منطقة وقرية في عمان، وبالتالي ندعو إلى تشكيل لجنة في محافظة جنوب الباطنة تعمل على إيجاد حلول ومنها خارطة طريق لتقديم هذه الخدمات، وأهمها المياه وشق الطريق الذي يربط الولاية بالقرية وكذلك شبكة الاتصالات التي هي من ضروريات الحياة وأساسياتها.