آفاق الإعلام الجديد

حاتم الطائي

تواجه منظومة الإعلام العديد من المتغيرات والفرص والتحديات، فرضتها الثورة التكنولوجية بفضل التطوُّر الهائل في الإنترنت، واستحداث تقنيات جديدة تتَّسم بالسرعة والاختزال، وهنا يكمُن بوضوح التباين بين الإعلام "التقليدي" والإعلام "الجديد"؛ فالأول يعتمد على الأدوات القديمة ذات الكلفة العالية من أحبار ومطابع وورق، وتأخُّر في نشر الخبر لمدد تقترب من 24 ساعة من وقت حدوث الخبر...وغيرها من الوسائل التي تزيد من مشكلات وتحديات هذا الإعلام ولا تدعم نموه، لكنَّ الإعلام الجديد الذي نتحدَّث عنه هنا، يتمثل في الوسائل الرقمية التي تنتشر بسرعة الضوء، مدعومة بالصوت والصورة، بل والتفاعل الآني مع الحدث، وإبداء الرأي فيه، وفوق كل ذلك صناعة الرأي العام في ثوانٍ معدودة!

ونحنُ في جريدة "الرؤية"، ومنذ أخذنا على عاتقنا مسؤولية نقل الخبر، وتبصير الجمهور بما يجري من حوله من أحداث، ورفده بالتحليلات ومقالات الرأي التي تساعده على تشكيل وجهة نظره وبناء مواقفه حيال مختلف القضايا، سعينا جاهدين لمواكبة المتغيرات، والأخذ بعناصر القوة التي من شأنها أن تدعم رؤية الجريدة، وتؤيد توجهها المهني والمحترف في صناعة الإعلام.. فأخذتْ "الرؤية" منذ بداياتها بزمام المبادرة، ودشنت في سنواتها الأولى نهج "إعلام المبادرات"، الذي ترسَّخ وصار منهجية حقيقية نمضي عليها قُدما ويتبعنا آخرون فيها، سواء داخل السلطنة أو خارج الحدود، وهو ما تجلَّى في الإشادات والتكريمات المحلية والإقليمية لتجربة "الرؤية" الرائدة.

ولقد كانت مُتغيرات الثورة الصناعية الرابعة وما سبقها من مخاض تقني، أفرز العديد من وسائل الاتصال الجماهيري؛ من أبرز الدوافع التي شجَّعتنا على إطلاق "منظومة الإعلام الجديد" قبل نحو عام من الآن؛ لتشمل بذلك: إنشاء أول إذاعة رقمية إخبارية ترفيهية في السلطنة، إضافة لإحداث نقلة نوعية في الموقع الإلكتروني للجريدة من أجل تحويله إلى "بوابة إخبارية" تستوعب شتَّى المواد الصحفية والإعلامية، وضمان الوصول إلى أكبر قاعدة مُمكنة من الجمهور، الذي بات يتصفَّح الإنترنت لفترات طويلة من اليوم؛ اعتمادا عليه كمصدر رئيسي في معرفة الخبر وقراءة ما وراءه. وعلاوة على ما سبق، أطلقنا أيضا "الرؤية TV"، والتي تلتقط بعدساتها الشابة العديد من الفعاليات، وتقدم كذلك برامج متنوعة تلبِّي احتياجات مستخدم الإنترنت من محتوى ترفيهي ومعلوماتي جذاب.

وبناءً على ما سبق، أطلقنا مبادرة جديدة وهي "ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي"؛ رغبة منا في تسليط الضوء وتكثيفه على هذا النوع المختلف من الإعلام؛ سواء من حيث الوسيلة أو حتى المضامين التي يقدمها، في قوالب ثورية تواكب الطفرة الهائلة في التقنيات المستخدمة. والملتقى الذي سيلقي بيانه الرئيسي سعادة طلال بن سليمان الرحبي نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط، سيكون فرصة لالتقاء الخبراء والمعنيين من أكاديميين ومتخصصين في الإعلام؛ بهدف تأطير مفهوم ومصطلح الإعلام الجديد، وترجمة ذلك في صورة توصيات ترسم خارطة طريق للمؤسسات الإعلامية كي تتمكن من مواكبة العصر الرقمي.

ولا يخالجنا شك بأن المستقبل يدعم هذا الإعلام الجديد، حتى في ظل التحديات المتمثلة في عدم اقتناع المُعلن -الذي يمثل الرافد الأول لخزينة أي مؤسسة إعلامية- بحجم التغير الذي طرأ على المنظومة الإعلامية، واعتقاده الخاطئ بأن حسابا على أي موقع للتواصل الاجتماعي كفيل فقط بالترويج لمنتجاته، دون أن يكون في أمسِّ الحاجة الى الإعلام الجديد لدعم منتجاته.. ولا أدري إذا ما كانت الأطراف الأخرى تعلم بأن تكلفة الإعلام الرقمي لا تقل عن ذلك التقليدي، سوى أن الأخير ربما يحتاج إلى عمليات لوجيستية أوسع، في حين أن الرقمي يتطلب معدات وتقنيات ومعدات ذات تكلفة مرتفعة أيضًا.

... إنَّ حديثنا عن الإعلام الرقمي الجديد سيظل مفتوحا ولا يتوقف؛ لأننا في كل لحظة تمر علينا تتطور الأدوات وتتغير الوسائل، إلا أنَّ المؤكد لدينا أن عصرا جديدا قد أذِنَ ولاحت في الأفق مساراته ومآلاته، وليس علينا سوى الإمساك به وملاحقته وفق ضوابط وقيم مهنية وأخلاقية. ونؤكد ختاما، أن الإعلام سواء كان تقليديا أو جديدا، فإنهما متكاملان، في معادلة تشاركية من أجل نشر المعلومات الصحيحة والأخبار الصادقة؛ فالإعلام التقليدي بمصداقيته العالية يتكامل مع الجديد بسرعة انتشاره.

وليس لنا من خيار سوى أن نكون جزءًا من هذا الإعلام الجديد والاستثمار فيه، والاستفادة من الفرص التي يمنحنا إياها مع الالتزام بالمعايير المهنية العالية ورسالته الأصيلة، والاستفادة من تجارب الدول التي عملت على تشريعات وقوانين لتنظيم الإعلام الجديد وإرساء ثقافته بعيدا عن الانفلات واللامسؤولية.