السيناريوهات المؤلمة لضريبة القيمة المضافة

خلفان الطوقي

 

كتبتُ في الأسبوع الماضي مقالًا يتعلَّق بضريبة القيمة المضافة، والكثير من القراء والمغردين الأجلاء تفاعلوا مع الموضوع، وبعضهم طلب مني أن أذكر الآثار المؤلمة التي حدثت لبعض دول مجلس التعاون الخليجي بعد تطبيقها لهذه الضريبة، وقالوا لعل الحكومة تستفيد من هذه الدروس، وتتفاداها في يناير 2019، ومن الأسباب التي جعلتني أكتب هذا المقال زيارتي لمنطقة المعبيلة في محافظة مسقط دون سبب إلا لرؤية كل شيء على أرض الواقع، دون تنظير أو تهويل، فكان نتاج الزيارة هذا المقال.

وقبل الإسهاب في المقال، علينا أن نسأل أنفسنا، أو نسأل مُتَّخذي القرار المؤيدين لإقرار ضريبة القيمة المضافة هذا سؤال الجوهري: من هم المستفيدون أو المتضررون  من قرار القيمة المضافة؟ لمعرفة الإجابة يجب علينا أن نسأل: من هم أطراف العلاقة بهذا القرار؟ ستجدهم أهم جهتيْن: الفرد سواء -كان مواطنا أو مقيما أو زائرا- والقطاع الخاص -سواء المستثمر المحلي أو الخارجي- من خلال مؤسسته التجارية الصغيرة أو المتوسطة أو الكبيرة.

السيناريوهات المُؤلمة ستمس الجميع؛ فعلى سبيل المثال: ستزيد الأثقال المالية على متوسطي الدخل وفئة الدخل المحدود، عِلمًا بأنهم يُشكلون النسبة الأكبر؛ فعلى المدى المتوسط والطويل ستتحول الفئة المتوسطة إلى طبقة فقيرة؛ وبالتالي ستظهر المساحة الشاسعة بين طبقتي الأغنياء والفقراء، وهذه نتيجة حتمية التي لا يتمناها أحد في المجتمع؛ لأنها من المؤشرات الأساسية على نجاح أو فشل أي حكومة على مستوى العالم في إدارة مواردها وتصغير الهُوَّة بين الطبقتين، وهناك آثار كثيرة مُؤلمة ذكرتُها في مقالات سابقة في حال تمَّ إقرار ضريبة القيمة المضافة في هذا التوقيت بالذات، وقبل تعافِي الاقتصاد تمامًا.

أمَّا فيما يخص القطاع الخاص والمستثمرين المحليين والخارجيين؛ فكما يعلم الجميع أنَّ الكل يعاني ويصارع من أجل البقاء، ومؤشرات المعاناة واضحة؛ فالأحاديث الشاكية لسوء الحال في كل مكان، ويمكن للحكومة أن تتحدى هذا الادعاء إن كان باطلا أو مبالغا فيه، بالقيام باستفتاء "عاجل" و"مستقل" يكلف به أعرق بيت خبرة عن الآثار الإيجابية أو السلبية لضريبة القيمة المضافة وفي هذا التوقيت بالذات، كما يمكن للحكومة أن تطلب تقريرا من البنك المركزي العُماني عن المؤسسات التجارية التي تعاني في دفع مصاريفها والتزاماتها تجاه الغير، أو معاناة هذه المؤسسات في الحصول على مستحقاتها من الغير.

وأخيرًا، أتمنى من الحكومة إرجاء موضوع إقرار هذه الضريبة التي ستقصم ظهر الاقتصاد إلى أن يتعافى، كما أتمنى منها أن تقوم بدراسات علمية مُعمَّقة عن الآثار الإيجابية والسلبية لهذا القرار، والمقترح أو الأُمنية الأخيرة: مراعاة جوانب كثيرة قبل الإقرار؛ منها: الوضع المالي للمواطن، ووضع وحجم الاقتصاد العماني وهيكلته، والنتائج المرجوة من هذا القرار، وهل سيتحقق هذه النتائج دون الإضرار بمكونات المجتمع من أفراد ومؤسسات، وتدارس الآثار المؤلمة التي قد تقع ليس الاقتصادية فقط، بل الاجتماعية والسياسية والأمنية، وتدارس الآثار السلبية التي حصلت في دول الخليج بعد تطبيق الضريبة، والتفكير الحقيقي في بدائل أقل وطأة وضغوطا على المجتمع؛ فلمثل هذا القرار آثار واسعة ولا يُمكننا أن ننظر لها من جانب واحد ونُهمل الجوانب الأخرى، خاصة وأنه قرار جوهري ويمس حياة المواطن البسيط الذي يشكل أغلبية المجتمع العماني.