ا ن ت ر و ب ي ا



مروة هابيل - ليبيا


حسنا ها أنا أقف وجها لوجه مع مؤلف الكتاب الأكثر مبيعا في العالم.. أن أرقص على حبال خيالكم.. ليس بالأمر السهل.. برشاقة أتنقل بينكم أحدث أصواتا كفيلة بأن لاتتحول إلى فوضى.. أتواجه معكم.. أواجهكم.. تنحني لي غرائزكم وأقتني عقولكم كمن يحصي عملته الذهبية في لعبته اللوحية المفضلة منذ زمن.. تعلو أفكاركم أرفع من وتيرة العناصر المتكون منها صندوق عظم الدماغ....
عما يبحث كل منكم؟
الجدير بالذكر هو الكم الهائل من العلامات التي يتم تجاهلها، أو صعوبة ملاحظتها.. إحدى أقدم وأهم الإشارات: رائحة يفرزها الدماغ.. تظهر قليلا ونادرا.. تظهر حين يلتقي دماغان يفرزان الرائحة نفسها.. نحن ننغمس في قوالب اجتماعية وموروث أعمى عمل مع مرور الزمن على إخضاعنا لنمط شديد الدقة؛ بل مقتصر على العمليات الحسابية الأكثر وضوحا واستخدامًا..
 
من أنا!
بعيدا عن سفاسط علماء النفس....
من أين حصلت على المواصفات الجينية المنفردة والحصرية والتي تفجرت في قدرتي على ترجمة اللغة الانجليزية بطريقة يعجب لها العقل من دقتها وبلاغة جمالياتها وصفة الكمال وجودة الإحساس وضخامة المرادفات دون خروجها عن معناها..
لماذا كل هذا التعقيد!....
من أين لي رائحة جلدي! لون اللعاب! الحاجبان السميكان! أسناني المتراصة بغير انتظام.. حاسة الشم الهائلة.. الرؤية الخارقة نهارا وفي أحلك ساعات الظلمة إسودادًا!  الخيال المرعب  رقم حذائي العملاق! كل هذا النزق! كمية الملح في مخاطي.. معدل استجابة عظامي للتجبير ولحمي للالتئام وحرارتي للانخفاض وتقيحاتي للشفاء وأظافري للنمو وشعري للتساقط ونمط وأسباب استفراغي للطعام.. من أين لي جرأتي وشجاعتي لأفكر خارج الصندوق بينما كل من أعرفهم يلتصقون بداخله لايفكرون بأنهم داخل صندوق أصلا؟
مؤلف الكتاب يدعي أنه لا يراني.. يتجاهل وجودي.. كنت قد انتهيت من مضغ صفحاته صفحة صفحة.. حتي إنني صرت أدخل إلى السيناريو وأخرج كقميص من دون أكمام.. أركن سيارتي داخل كتابه وأشعل سيجارة وأزيح كرسيي للخلف أقرأ بإرياحية لم يعهدها أحد رغم أني أركن في شارع عام وبالاتجاه الممنوع.. موسيقي كلاسيكية قديمة تخرج من الطابق الثالث وأنا لم أحاول بلوغه منذ نزلت منه كل نظريات المؤامرة فتحت باب السيارة وجلست في الكرسي الخلفي دون أن تحرك ساكن ..
في السطر الأول كتبت: جلست "إيزي" تحتسي قهوتها وتستنشق قطعة رمادية تشبه في خصائصها مكونات السحر الأسود الأول القديم.. يدغدغ حواسها شعورها بالانتماء للاشيء.. في السطر الثاني رن جرس الهاتف الموضوع فوق الطاولة بشكل مرتب.. وظهر منه شرطي المرور يسحب أوراق الكاتب ويسجل له مخالفة ويلصق علكته الزهرية علي سقف قانون الأحوال الشخصية بينما يضرب جهاز الحاسوب الاحتباس الحراري بعرض الحائط.. كاشفا عن الثورة العلمية التي حطمت جهاز صنع "الفوشار" وأشياء أخري تحفَّظ عليها المؤلف لأسباب شخصية.... ظل السطر الثالث ينتظر الموافقة الأمنية للقيام ببحث مكثف في غوغل عن أصل البوصلة الجيومترية.. هنا يزداد الأمر تعقيدا مما سبق..  سوف يواجهون مقالتي سوف أتسبب في ثورة جديدة سوف تسقط مفاهيم العلوم التطبيقية ونغرق جميعا على نفس الزورق بدءا من برج المراقبة وصولا لموقع النشر الذي وافق علي نشر هذا المقال .

لِـ"نَتَمَشَّ" قليلا  ..
نشاهد الشروق نتكلم عن منتجات الشامبو وأهمية اختراع البنج وجمالية إضافة الكاتشب إلى لائحة مزايا الإضافات البشرية إلى كوكب الأرض الذي يفصله زمن لابأس به قبل الانقراض .. وننسي أمر المخالفة ونبتعد عن الشارع العام نترك الكتاب في السيارة.. وموسيقي الشيطان في خزان الوقود وجثة الشرطي في صندوق الموتور.. نترك فيثاغورس وكوبرنيكوس وحتي اينزتاين نفسه نجمعهم في كيس قمامة كبير ونلقيه في أول سلة مهملات عملاقة .. نكبس على زر الحذف ...........

حذف ........................... تم الحذف .

في الحقيقة أنا لست كاتبة أنا أقرأ الكتب الجيدة ثم أعيد قرائتها أثناء النوم .. أما اليوم ....
اليوم تحديدا حصل مالم يكن في الحسبان ..
اكتشفت بأنني أحلق في قاعة رقص رحبة واسعة تشبه القاعات المرسومة بالزيتي والفرشاة.. (أتخيل كل ماسبق)..
بينما كل الكاميرات الأمنية هنا والتي تلتقط حركاتي الراقصة. ظهرت في شاشاتها صورة لسيدة تكرر ظهورها عبر مرور الزمن.. لطالما عرفها التاريخ بأنها ميدوزا.. ميدوزا نفسها.. ظهرت بدلا عني.
إن كانت ميدوزا تظهر هنا بديلا عني..
فإذن.. أين أنا الأن؟
أنا وأنتم نظهر الأن .. نظهر علي شريحة صغيرة ينظر لها أحدهم خلال عدسة مجهر ....
عالمنا كله مراقب .. وأنا أقف وجها لوجه مع مؤلف الكتاب الأكثر مبيعا في العالم.

ا ن ت ر و ب ي ا   ....

 

 

تعليق عبر الفيس بوك