تحليل اقتصادي

الدخل .. الانتقائية.. المضافة.. تعددت الضرائب والمخاوف واحدة

الرؤية- نجلاء عبدالعال

يقترب تطبيق ضريبة القيمة الانتقائية في السلطنة يومًا تلو الآخر، ومع كل موعد ينتظر البعض إنفاذ الضريبة، يأمل البعض الآخر تأجيلا جديدا، غير أن وقع الضريبة الانتقائية يختلف إلى حد ما عن غيره من أنواع الضرائب المُطبقة في دول العالم، فعندما يذكر في بلد عربي مسلم ملتزم بأن الضرائب ستتضاعف على الخمور ولحوم الخنازير والتبغ، فلا شك أنَّ الأغلبية ستؤيد هذا القرار، أولاً لأسباب تتعلق بالتحريم والعادات والتقاليد، وثانيًا لأنها سلع ترتبط بأضرار سواء على صحة الإنسان أو المجتمع أو البيئة، إضافة بالطبع إلى أنها يمكن الاستغناء عنها لأنها لا تمثل حاجة أساسية للناس.
ويمثل عامل التوقيت عند تطبيق أية ضرائب وأيا كان سمو هدفها، العنصر الأكثر تأثيرًا على الناس وتخوفهم من احتمالات فرض ضرائب أخرى لم تكن في الحسبان، فقد مرت على السلطنة سنوات سمان ازدهر خلالها سعر النفط وأينعت المشروعات والأعمال ورغد عيش القطاع الخاص والمواطنين بصفة عامة، واعتبر كثيرون أنَّ ذلك التوقيت السابق كان الأنسب لإدخال أية إصلاحات على نظم الضرائب والرسوم وبشكل تدريجي، لكن الفرصة فاتت مع التسونامي المفاجئ الذي ضرب أسعار النفط، والتي لا تزال تواجه تذبذبات وتفاعلات مع المشروعات في مختلف القطاعات، كون الاستثمارات الحكومية هي المحرك الرئيسي للاقتصاد.
وارتبط تطبيق كل من الضريبة الانتقائية وضريبة القيمة المضافة بما عرف بـ"الإصلاح الضريبي لدول مجلس التعاون"، ولذلك جاء الربط في الأذهان بين تطبيق الضريبة على السلع الانتقائية باعتبار الخطوة التالية ستكون تطبيق القيمة المضافة.
بيد أنَّ الخبراء يؤكدون أن للحكومات منطق في تطبيق الضرائب، فغالبية دول العالم تطبق عددا كبيرا من الضرائب المتنوعة باعتبارها الشق الذي يمكن من خلاله تحقيق العدالة الاجتماعية في نظام السوق الحر، وتصل نسب الضرائب المفروضة في بعض الدول إلى ما يزيد على 70% من دخل المواطنين، وفي وقت الأزمات المالية يكون أمام الحكومات إما طريق الاستدانة من الخارج أو طريق فرض الرسوم والضرائب على مواطنيها.
وفي الجهة المُقابلة، بالنسبة للمواطن والقطاع الخاص، فإن ثمة منطق آخر، في أن وقت اليسر يكون من السهل إدخال نظام مشاركة بين الحكومة والمواطن في شكل نظام ضريبي، لكن عندما يحدث ذلك في أوقات الأزمات، فإنّ تهديدات متنوعة تواجه القطاع الخاص.
وكما ذكرت الحكومة وفي بيان الموازنة العامة للسنة المالية الجارية، فقد كان للقطاع الخاص دور لا بأس به حتى في ظل تراجع أسعار النفط خلال العامين الماضيين، إذ يذكر بيان وزارة المالية أن: "إحصائيات التكوين الرأسمالي خلال الفترة (2014- 2017) تؤكد نمو مساهمة القطاع الخاص في تنفيذ البرامج الاستثمارية؛ حيث ارتفعت مساهمته من 52% في عام 2014 إلى 60% في عام 2017". وهذه النسبة تدلل على أهمية القطاع الخاص في الاقتصاد، وأيضاً في فتح فرص عمل للمواطنين، لذلك عندما تتزايد الرسوم الجديدة والأعباء المالية على القطاع الخاص، فلن يكون الأمر مجرد إتاوات تجبى لتصب في الإيرادات العامة، بل ستمد آثارها على معدلات النمو وسيكون بالنهاية العبء الأكبر على المواطن نفسه.
وفي حالة تطبيق الضريبة على السلع الانتقائية- التي لا يوجد عليها خلاف بحد ذاتها- سيكون من السهل معرفة مسار عملية الجباية، فالمصنِّع أو المستورد سيضيف قيمة الضريبة إلى سعر السلعة قبل طرحها في السوق، ويكون عليه سداد قيمة هذه الضريبة بمجرد بيعه لجملة الإنتاج أو الاستيراد.. أما في ضريبة القيمة المضافة فرغم أنها ستكون في حدود 5% إلا أنها تأخذ شكل السلسلة التي تسير مع السلعة في كل خطواتها ويتم تحصيلها عبر أكثر من مرحلة، ولذلك ترتبط غالباً بارتفاع في نسب التضخم، وبالتالي فإن المستهلك النهائي كثيرا ما يقع عليه العبء الأكبر.. ففي كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة- وهما من سبق إلى تطبيق ضريبة القيمة المضافة- تظهر أحدث الإحصائيات ارتفاعا في أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية.
وبحسب أحدث تقرير للمركز الإحصائي الخليجي فإن "أسعار المستهلكين لدول مجلس التعاون الخليجي شهدت ارتفاعاً في شهر يونيو 2018 مقارنة مع مستواها في نفس الشهر من العام السابق بلغت نسبته 4.2%"، وأنه "ومن حيث مساهمة دول المجلس الست في التضخم الخليجي العام لشهر يونيو 2018م فقد شكلت مساهمة دولة الإمارات العربية المتحدة بما نسبته 2.1 نقطة مئوية من إجمالي التضخم الخليجي العام البالغ 4.2%، تلتها المملكة العربية السعودية بما نسبته 1.7 نقطة مئوية، وكل من مملكة البحرين وسلطنة عمان ودولة قطر ودولة الكويت بنسبة 0.1 نقطة مئوية لكل منهم".
ومع اعتراف القطاع الخاص العماني بأن عليه الكثير ليقدمه للدولة والمواطن، إلا أن بعضا من التفكير المشترك قد يخرج بنتائج أكثر قدرة على تحقيق الشراكة الحقيقية في تحمل المسؤولية، بدون أن يطال ذلك حماس القطاع الخاص الوطني في المساهمة في بناء النمو المستدام، وبدون أن يصب مزيدا من الأعباء على كاهل المواطنين.
ولذلك فإنَّ الخطوة الإيجابية التي اتخذتها وزارة المالية بتأجيل تطبيق ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، ينبغي أن تكون مثار إشادة، ولعل هذا "التريث" وربما إعادة النظر سيكون حلا أسلم، مع ما يراه البعض من أن ضريبة الدخل المطبقة على الشركات بالفعل حالياً يمكنها أن تكون أكثر نجاعة إذا ما أحسن إدارتها.. لكن أن يبقى التوجس قائمًا من ضريبة السلع الانتقائية وضريبة القيمة المضافة وأية تعديلات في ضريبة الدخل على الشركات، فهذا من شأنه أن يبقي المخاوف التي لن تذهب إلى تحقيق الأهداف المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص والمواطن وهي مواصلة جهود بناء النهضة العمانية.

 

تعليق عبر الفيس بوك