في تأثيل شعر الطفل العُماني


أحمد عمر عطا الله  ناقد وباحث أكاديمي - مصر
    
    تعد الأديبة الدكتورة سعيدة الفارسي صاحبة أقدم نتاج شعري متخصص للطفولة في العصر الحديث بسلطنة عُمان، ونتغيا به الاتجاه المباشر بمضمونه وشكله في ديوان مستقل للطفل العُماني، وهو ديوان: (أغنيات للطفولة والخضرة/ 1979م)، وهي مهمة أدبية تأسست على ابتكار من أجل الطفولة اللغوية والوجدانية بمراحلها العمرية المختلفة، ولم تقف مثل ما صنع سابقوها مكتفية بالترداد الشفاهي للموروثات الشعبية دون إبداع يخصها في مسطور أدبي، يرتكن إلى أساس سيكلوجي في مجالات القصيدة والحكايات الشعرية بما يوافق سائر مراحل الطفولة ويسد خللها واحتياجاتها في نتاج متنوع وغزير.
    بيد أن العجيب حقًّا ألا تتراءى مقاربات نقدية لدواوين الطفل العماني عامة وتلك الشاعرة خاصة، كي تسعى هذه النقود إلى الكشف عن الظواهر الأسلوبية أو البنائية المنغمسة في طيات تلك الأشعار، أو تحاول الإبانة عن جماليات قصيدة الطفل عندها، مع تجليةِ الاشتغالات المعرفية التي قامت بها قصائدها في ذلك الصعيد، ما يعني قصورًا لا يزال في مسيرة تطوير استراتيجيات نظرة المتلقي إلى نصوص قصيدة الطفل العمانية.
ويأله الباحث كذلك حين يظل حدب نقادنا على الدراسات الأدبية الموجهة للكبار وبمنأًى عن دراسة شعر الطفل العربي الذي يجعلنا على حَفَفٍ من إدراك المظاهر الحياتية التي سربلت أدبه، فضلًا عن إماطة اللثام عن المكونات الثقافية القارّة لديه، والسير قدمًا في سبيل بناء معجم تاريخي أدبي للغة العربية لدى براعمنا الصغار بما يكشف عن انثيال تمظهرات الكلمة لديهم، وتحديد دفقاتها الدلالية المتغيرة ومستويات استخدامها المتلاحقة.
    ولعل السبب الرئيس في ذلك يرجع إلى فكرة اجتماعية بالية؛ يتراءى فيها الطفل هو الصغير سنا ومقتضيات وأدبا؛ ما يئول بأدبه إلى تلك النظرة المتجاهلة؛ ولا ريب أن ذلك يعوزه كثير رشد تجاه عوامل تنشئة أجيال المستقبل، وخصائص نموهم، ويلاحقه سؤالان متعاقبان؛ أولاهما: لماذا لم يكن إهمال مماثل من كبار الأدباء العالميين؛ أمثال:  الروسي تولستوي (Лев Николаевич Толстой)، والأخوان الألمانيان: جريم (Grimm  Brüder)، والفرنسي لافونتين (La Fontaine)، وعلى المستوى العربي يكفينا أحمد شوقي أمير الشعراء في العصر الحديث؛ في الإطارين الدعوي التنظيري والعملي التطبيقي؟ والسؤال الآخر: لمَ كرست جامعات الدول المتقدمة بعض كلياتها وأقسامها العلمية لدراسة أدب الطفل ومراحل تطوره؟!
    ولعل ما افترعته د. سعيدة الفارسي من مرحلة ريادية في مجال شعر الطفل بالسلطنة هو إجابة عربية واعية لتلك السؤالات؛ إذ الطفولة ثروة الأمة، وبناؤها مفتاح النهضة والتطور الحقيقي، وملاذ المبدع في تأصيل تراث الأسلاف، ولعل ذلك ما يحدو بنا إلى صياغة سلسلة من المقالات النقدية التي تحاول أن تضع مسارات جديدة لإنتاج النص الطفلي العُماني وتلقيه من الناحيتين النظرية والتطبيقية؛ وربطهما معا استشرافا لما نرنو أن يكون عليه الإبداع العربي ونقده، وأملا في صناعة رغبة موضوعية تتمثل في قراءات النصوص وتفسيرها وفق مستجدات الثقافات المختلفة في كل عصر.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك