العالم العربي: أزمة قيم أم ماذا؟؟


الحافظ الزبور – مونتريال - كندا


قبل أن أهاجر إلى كندا وبالضبط إلى الكيبيك ..كنت ابحث عن الكيفيات التي يشتغل بها المجتمع الكندي.. فكان لابد من الإطلالة على ميثاق القيم الكندي المسمى بـ"الميثاق الكندي للحقوق والحريات".. وميثاق القيم الخاص بالكيبك المسمى بـ "ميثاق حقوق وحريات الشخص".
وكلاهما له صبغة دستورية.. وكلاهما يكفل كل الحريات الفردية والجماعية.. وكلاهما يمتحي من الميثاق الدولي لحرية الإنسان.. وكل المواثيق الدولية الداعية إلى الحريات.
وعندما استقر بي الحال في كندا.. وبالضبط بالكيبيك..بدأت أبحث عن تجسيد هذين الميثاقين على أرض الواقع.. فكانت الصدمة إيجابية.. فكلما هو مسطر في الدستور كأسمى قانون.. وفي تنزيلات الدستورنفسه.. يلمس ويرى من خلال الحياة اليومية في الشارع.. في الشغل في العلاقات في السلوكات.. مع استثناءات خفيفة.. فالصورة ليست دائما  وردية مائه بالمائة.. هناك تجاوزات هامشية من قبل بعض الأجهزة لا تمسّ عمق وجوهر الحريات العامة والعيش المشترك التي يكفلها الدستور ويراقبها القضاء.. فكل خرق تضبطه العدالة.. فينضبط.. لا تساهل مع خرق القانون.. مهما علا شأنك.. مع إن كندا.. بلاد التعدد الإثني واللغوي.. ووعاء يمتص القادمين من شتى أنحاء العالم.. فكل قادم جديد ملزم باحترام قيم المجتمع المتعارف عليها .. واحترام القانون لا يستوجب أن تعود بالحرف إلى نصوص وفصول المواثيق المنظمة للمجتمع.. عليك فقط أن ترى وتسمع وتعيش القانون يطبق عليك وعلى غيرك من طرف الأشخاص والهيئات والأجهزة والمؤسسات التي تتعامل معها.. كما إن اليومي يعلمك كيف تتصرف، وكيف تحافظ على سلامة الآخرين، وكيف تحترم القوانين، فالتعلم بالأقران .. ترموميتر التطبيق والتعلم من الجيران ومن  المؤسسات العامة.. خبرة تكتسبها مع مرور الوقت .. فكل شيئ يشعرك بالمساواة  وأنت القادم الجديد.. ستتعلم لامحالة من سلوكات الآخرين في الأماكن العامة وبالاحتكاك.. لست محتاجا إلى دروس في الحقوق والواجبات.. حقوقكك مكفولة.. وعليك أن تؤدي واجباتك.. وفي حالة تعرضك لـ"تمييز" ما.. فماعليك.. إلا أن تقدم شكوى كتابة إلى لجنة "الحقوق" التي ستبث فيها  بجدية وبتوقيت محدد في شكواك.. لا مجال لوضعها في الرف.. أو تطبيق قاعدة "كم من حاجة قضيناها بتركها".. لابد الخضوع إلى مرجعية ميثاق الحريات.. وحقك مكفول.. وفوق كل ذلك القضاء.         
وأنا أستعرض هذا المشهد الحقوقي العام لكندا.. تذكرت العالم العربي.. وبما إنني لست خبيرا دستوريا.. إلا إنني مراقب من قريب ومن بعيد .. لما يجري في عالمنا العربي .. مع إني أومن بخصوصية كل بلد.. إلا في الحالات التي تكيف بها هذه الخصوصيات مع مصالح مجموعة معينة.. ويظل السواد الأعظم.. يعاني في صمت.. فإن عالمنا لم يستطع لحد الساعة أن يسطر ميثاقا للقيم متفق عليه.. من طرف كل شرائح المجتمع.. باستفتاء شعبي شفاف.. أنا أعلم أن هناك دساتير تأخذ مرجعيتها من المواثيق الدولية العامة حول الحقوق والواجبات.. لكنها عاجزة أن تبدع مواثيقها الخاصة بشفافية.. وبترسانة قانونية مؤطرة.. وخاضعة في التنفيذ للمراقبة القضائية النزيهة.. والأدهى من ذلك حتى في حالة وجود هذه المواثيق. فإنك لا تلمس مباشرة تجسد هذه  القيم المسطرة في الأوراق.. على أرض الواقع سواء في سلوكات المواطنين أو في العلاقات العامة أو في العلاقة مع الإدارات والمؤسسات الرسمية.
فالسؤال المطروح على كل دولة عربية على حدة:
ماذا يجمعنا كشعب"؟؟
ماهي القيم المشتركة؟؟
ما مرجعية هذه القيم"؟
كيف نجسدها على أرض الواقع.. في سلوكاتنا اليومية.. كأفراد وجماعات.. في علاقاتنا مع المؤسسات.. في علاقة المؤسسات معنا"؟؟
من يضمن التطبيق"؟
من يراقب من  ؟
ما دور المدرسة؟
ما دور الأسرة؟
ما السبيل لخلق مؤسسات شفافة.. ومراقبة من طرف ممثلي الشعب؟؟
من يكفل كل ذلك؟؟
أسئلة كثيرة. لابد من الإجابة عليها. لبناء مجتمع قوي.. لا يمكن اختراقه.. لأن هشاشة المؤسسات.. تعرض المجتمع إلى التمزق والانهيار في رمشة عين ؟؟
 لابد من خلق نقاش عمومي ..لتثبيت القيم المشتركة . بمرجعيات متفق عليها..؟؟
أليست الدساتير نصوص متفق عليها.. لماذا الاتفاق النظري.. ويترك الحبل على الغارب  في التنفيذ؟؟
لابد من تجاوز أزمة القيم بالنقاش العام ؟ وإلا فإن مآل مجتمعاتنا إلى التفتت... كما وقع.. وكما هو منتظر... لابد من تدارك الأمر. الاقتصاد ليس هو وحده الكفيل لرفاهية الشعوب.

 

تعليق عبر الفيس بوك