23 يوليو .. في الوجدان العُماني والعربي

علي بن مسعود المعشني

23 يوليو، ليس تاريخا ولا يوما من أيام السنة، ولا شهرا من شهورها، بل فيصل زمني حاد بين زمنين ومرحلتين تاريخيتين، وفيصل زمني بين أزمنة وحقب تاريخية، مليئة بالتطلعات والإنكسارات والآمال الكبار. فبعض الأيام والتواريخ أقرب إلى المشاعر الصادقة والوجدان، منها إلى الأيام والتواريخ العابرة. وهكذا هو23 يوليو في وجدان كل عربي وعُماني كذلك.

هناك أحداث ومفاصل تاريخية، كالنيازك والمذنبات وحركات الكون والفلك، لا تتكرر كثيرًا في حياتنا كبشر، ولكنها لا تزول كذلك بفعل خاصية النسيان البشرية والتي أودعها الله في خلقه، بل تتحدى الزوال من الذاكرة والوجدان، ونواميس الحياة وسيرورتها، وكأنها نواميس ومصائر بمعزل عن المألوف والمُعاش. وهناك أحداث ومفاصل تاريخية كذلك، تفوق الوصف وتتعدى التعبير لمن لم يعشها ويعايشها، فهناك أمور وأشياء في حياتنا كبشر، تُعاش فقط ولايُمكن وصفها، ومناسبة 23 يوليو لنا كعرب معاصرين وكعمانيين كذلك، تندرج تحت هذا التوصيف والتشبيه والمشاعر بكل جدارة واستحقاق.

كل عربي وعُماني، له ذكراه وذكرياته وانطباعاته الخاصة عن ذكرى يوليو ومناسباتها على الصعيدين العربي والعماني، وما أحدثتاه في وجدانه الشخصي وعمق مشاعره وذاكرته، من تحولات وقناعات ومكاسب مادية ومعنوية، ونقلة نوعية محسوسة، في إنسانيته وعلى صعيد كرامته وأهداف حياته، ولكن الأهم في تلكم المناسبتين العظيمتين، أنهما أحدثتا وقعًا عميقًا في العقل الجمعي العربي والعُماني، وأسستا لنهوض فكري وثقافي عظيمين، ودمرتا مشاعر سالبة كبيرة، وأحالتا الكثير من الأمنيات والأحلام إلى واقع معاش وملموس، والكثير من القناعات إلى عقائد راسخة كالجبال، واستنهضت في الشعوب مكامن الخلق والإبداع فسطرت ملاحم العزة والشموخ في سنوات التحدي والكبرياء، بأحرف ممزوجة من نار ونور، وتضحيات تليق بقيم الشرف والكرامة والكبرياء.

لقد أعادت ذكرى 23 يوليو الروح إلى الجسد، وبعثت فيه أكسير الحياة، والأمل بالله والوطن، ورفعت كثيرًا من منسوب الرضا عن الأوطان، وجرعات الوطنية الصادقة والمواطنة الصالحة، وأعادت الأوطان إلى مسارات التاريخ والفاعلية الحضارية، واستنبتت المستقبل والذي كان على مشارف اليأس والنسيان. لقد كانت 23 يوليو ملحمة غير مرئية في دهاليز قضاء محاكم التاريخ لتستأنف الشعوب والأوطان الحية أحكامه الجائرة، وتعود لصدارة المشهد وقلب الأحداث لتصنع التاريخ بكل جدارة واستحقاق.

لايعلم سوى الموغلون في التاريخ، والراسخون في علمه، كم هي قاسية على الشعوب والأوطان سنوات وحقب التيه التاريخي، ومراراتها، وكم هي مضنية وقاسية آلام دول الأيام والسنين العجاف، على منابت التاريخ وجذوره وصانعيه حين تدبر عنهم الأيام ويغادرهم التاريخ ويطويهم النسيان، ويملأ شواغرهم ويقرر مصائرهم المتطفلون والأدعياء ولقطاء التاريخ والحضارة.

لانقول هنيئًا لنا بـ 23 يوليو، رغم فخرنا وجدارتنا بذلك، بل نقول هنيئًا للتاريخ بـ 23 يوليو، كمناسبة يضمها ويحتفي بها بكل فخر واعتزاز، بعد أن توشح بالسواد طويلًا حدادًا على شعوب يوليو ومنجزات أوطانها.

هنيئًا للعرب جميعهم بمناسبة 23 يوليو، وللعٌمانيين جميعهم، وللعروبة والتاريخ عودة صناع التاريخ وأبنائه النجباء، وهنيئًا للبشرية جمعاء بحكيم العرب والإنسانية قابوس عُمان، والعود عُمان قابوس أحمد وأمجد، وكل عام وعُمان بخير وهناء.

قبل اللقاء: بفعل يوليو وبفضله زرعنا الصدق فحصدنا السلام وعدنا بثبات إلى مسار التاريخ وصناعته والتحقنا بركب الحضارة والذي افتقدناه طويلًا.     

وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com

الأكثر قراءة