ســوق الجــمعة


إبراهيم المصري – مصر

رأيتُ روائيين في سوقِ الجمعة
يبيعون شخصيَّاتِ كتبِهم
الشخصيةَ بجُنيهيَن
وإن اشتريت شخصيَّتين
أعطوكَ ثالثةً مجاناً
كانوا يجلسون صفَّاً
وينادون على الناسِ كباعةِ الأرصفة
بأصواتٍ عالية
وأمامَ كلٍّ منهم قُفَّةٌ لا أدري
كيف استطاعَ الروائيُّ هذا أو ذاك
أن يحملَها إلى السوق مُعبَّأةً حتى الحافةِ بالشخصيات
وقفتُ أمامَ قُفَّةِ نجيب محفوظ
وساومته على عاشور الناجي وأحمد عبد الجواد
بجُنيهاتٍ ثلاثة
وقلتُ له لا أريدُ شخصيةً مجَّاناً
يكفيني أن أختفي كالناجي
وأعيشُ منقطعاً للغوازي كعبدِ الجواد
ويبدو أنَّ محفوظاً كان يتعجَّلُ البيع
فقد وضع عاشورَ الناجي وأحمدَ عبد الجواد في كيس
وناولني إيَّاه
لأشعرَ على الفورِ بحرارةِ جبلِ المقطمِ في الصيف
وبفيضانِ النيلِ قبلَ بناءِ السدِّ العالي
قلتُ لنفسي
لأبحثَ عن شخصياتٍ أخرى
أزيِّنُ بها صالةَ الشقَّة
كان هيرمان ملفل يجلسُ في آخر الصف
عارضاً للبيع القبطانَ آخاب
اشتريتُه على الفور
وأمرتُه أن يسبقني إلى أقربِ محلٍ يصنعُ الإطارات
وأن يختارَ إطاراً مناسباً لتعليقِه في صدرِ الصالة
وخلفه محيطٌ أطلسيٌّ هائج
وحوتٌ أزرق
ربما ألهمَ عاشورَ الناجي قصةً أخرى
غيرَ الخلاءِ الذي لا يستطيعه سوى أولي العَزم
كنتُ بحاجةٍ إلى شراء شخصياتٍ نسائية
وخاصَّةً "سوزانا سان خوان"
لأرى كيفَ يَشِفُّ جسدُ المرأةِ في مياهِ الليل.. 1
لكن خوان رولفو كان يعرضها في سوقِ الجمعةِ بمكسيكو سيتي
ولا وقتَ لديَّ للذهاب إلى هناك
ولم أقبل بآنا كارنينا
بالرغم من أن تولستوي حاولَ إقناعي طويلاً
بمزاياها التفسيريةِ في العبثِ بالمصائر
وحينما ذهبتُ لشراء مدام بوفاري
كان جوستاف فلوبير قد باعها
ووقفَ يعدُّ ثمنها سعيداً
كمَّن باعَ جاريةً في سوقِ العبيد
إنني أخشى دائماً من النساءِ الخَطِرات
ولا قِبلَ لي بشراءِ شخصيةِ إحداهن
لكنني قد أفكر في شراءِ شخصيةِ "تيتا"
إذا عرضتها لاورا إسكيبيل في سوقِ الجمعة
لأشمَّ في تيتا روائحَ البصلِ والثومِ والتوابل الحارةِ والفلفلِ الحارقِ والشوكولاتةِ والخبزِ الساخنِ والحليب
وقد أفكِّرُ
إذا ما اشتريتُ شخصياتٍ روائيةً كافية
في أنَّ المصائرَ وإن كانت.. ورقية
إلَّا أنَّها مجبولةٌ مثلي من لحمٍ ودم
ومن بَدَدٍ لا يُعزى إليه أنَّ الإنسان
خلقه اللهُ في الأصل...
... شخصيةً روائية.

إبراهيم المصري
1ـ العبارة لخوان رولفو من روايته "بيدرو بارامو": جسدُكِ يشفُّ في مياه الليل.

 

تعليق عبر الفيس بوك