حكاوي لندن

فايزة الكلبانية

ها نحن فريق رحلات الرؤية التعليمية ببريطانيا بمُختلف ولاياتها.. لا زلنا نواصل أهدافنا في أروقة مدينة الضباب (لندن) والمقاطعات الداخلية، لنكمل قرابة شهر قضيناه يومًا بيوم.. وليلة بليلة بين برامج تعليمية وجولات سياحية وأنشطة متعددة ولقاءات بوفود جاءت لنفس الغرض من مُختلف دول العالم من المشرق والمغرب، جميعها بصمت في ذاكرتنا الشيء الكبير، وكونت لنا ثقافات أوسع لطالما كنا نسمع عنها ولم نعش تفاصيلها سلفاً.. فكانت تجربة نهلنا من أيامها كل جميل ومفيد رغم التحديات التي لابد وأن تكون إلا أنها كانت الأجمل..

يتردد على ذهني جواب الكثيرين ممن حولي عندما يطول غيابهم عنَّا، فإذا بنا نسأله حين نلقاه أو نهاتفهم معجبين (وين كنت يا فلان.. طولت الغيبة؟.. فيجيب مستهزئاً.. في لندن..!) لم أتفكر يوما لماذا يكون جواب الجميع باختيار اسم لندن ولكن ما أيقنت اليوم جعلني أخمن مع نفسي قد يكون البعض يراها بالبلاد البعيدة والصعبة والتي قد يستحيل عليهم الوصول لها لما تحتاجه مشقة السفر وما تتضمنه من مصروفات واحتياجات قد يراها البعض مستحيلة بالرغم من أنَّ اليوم قد كثرت وتطورت ثقافة السفر والترحال بين جميع أفراد المجتمع مهما كان دخلهم ومعيشتهم بالتخطيط يحققون متعة أحلامهم في السفر والترحال وفقًا لقدراتهم.

هنا في Excel English التقينا بطلبة من مختلف دول العالم كبارا وصغارا.. طلبة وموظفين و بعض المتقاعدين.. نساء ورجالا وأطفالا..جاءوا طلبا لتعلم لغات أجنبية وأولها اللغة الإنجليزية، ومن خلال جلوسي مع البعض منهم وخاصة كبار السن ممن أتعجب من وجودهم بهذا العمر طلباً لهذه اللغة وجدت أنّ البعض يرغب في تعلم اللغة استمرارا لاستقرار حياته وأبنائه لأنَّ البعض منهم مرتبط بزوجات لغتهن الأم الإنجليزية ويجدون صعوبة في التواصل والاستقرار معهن، والبعض الآخر يؤمن بأنها لغة العالم الثانية في عالم الأعمال وسوق العمل فيرغب في تحقيق نجاح باهر وصفقات عالمية لعالمه العملي الخاص، والبعض طلبة يرغبون في أن تتطور مهاراتهم لأن العالم من حولهم يتطلب ذلك لتمكينهم من الحصول على أعلى وأفضل التخصصات بعد التخرج، والبعض الآخر مثلي؛ جئت قاصدة العلم وتحقيقاً لحلمي بأن أعيش الحياة بأسرها بين أروقة مدينة الضباب وزحمة ممراتها وفخامة قصورها وضجة تنقلاتها وضجيج أنفاقها ولطافة أهلها فكانوا الأجمل من بين غيرهم من الشعوب الأوروبية وفقا لرؤيتي وتجربتي الخاصة.. البعض من الطلبة يقول لأهله نحن مستمتعون ولا نرغب في العودة بعد أيام قليلة... ولكن يبقى للوطن مهما طال الترحال شوق كبير ولابد من عودة الطيور المهاجرة لأحضان السلطنة، وراجعين يا وطنا راجعين..

 

بصمات.. وأيام.. ووجوه.. عايشناهم بشكل يومي وصنعنا بينهم مودة ومحبة وتآلفا.. اعتدنا عليهم كل صباح ومساء.. سنغادرهم بعد أيام قادمة.. ولكن لابد من العودة والبحث عنهم في رحيل آخر قد تكتبه بيننا الأقدار هنا في لندن.. بالرغم من أن باريس تسمى (مدينة النور) إلا أن بريطانيا تمكنت من أن تكون الوجهة الأولى والأكثر حظا في ارتياد طلبة العلم لها من كل أنحاء العالم قد يكون لأن لغتهم الأم هي الإنجليزية تؤهلهم ليكونوا محط أنظار الراغبين في تعلم اللغة الإنجليزية، فتفوقت اللغة الإنجليزية بين لغات العالم المختلفة، فاليوم لا فرق بين بريطاني أو أمريكي في تعاملاتنا ما دامت لغة التواصل هي الإنجليزية، مع الاختلافات البسيطة. قد نشهد تقدماً في رغبة البعض من الناس أيضاً في تعلم اللغات الصينية واليابانية والفرنسية والألمانية وغيرها، فاليوم واقعنا العلمي والتقني الواسع بثقافاته يتطلب منا مواكبة تحديات العصر الذي تفرضه علينا متطلبات الحياة، وعلى رأسها تعلم اللغات الأجنبية وهذا ما تفرضه علينا مختلف المجالات العلمية، وإن لم نواكب هذا التوسع والتقدم بالعالم سيصعب علينا معايشته واستخلاص الجديد والمفيد منه، والتفرقة بين ما يسرنا وقد يضرنا الكثير.