أقوى 100 شركة في العالم العربي

 

عبيدلي العبيدلي

"أقوى 100 شركة في العالم العربي" كان هذا هو العنوان الرئيس الذي توسط غلاف العدد الأخير (87) من مجلة "فوربس الشرق الأوسط". وفي افتتاحيتها التي حملت العنوان ذاته، تقول فيها رئيس التحرير خلود العميان "كانت الظروف مواتية للشركات العربية في المنطقة العربية على مدار العام الماضي، فارتفاع أسعار النفط، إلى جانب الاستقرار النسبي في اقتصادات المنطقة، وبالتالي صعود أسواق المال العربية، واستمرار الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية. كل تلك العوامل مهدت الطريق للشركات، سواء كانت العامة منها أم الخاصة، للاستفادة من الوضع الراهن على المستويين التشغيلي والمالي...".

ليس القصد هنا مناقشة ما جاء في تلك الافتتاحية من استنتاجات، فما هو أهم من ذلك بكثير، هو تلك الاستنتاجات التي يمكن أن يخرج بها المتصفح، ولا أقول القراءة المتأنية، لمواد ذلك المسح الذي قامت به المجلة كي تسرد قائمة "أقوى الشركات في العالم العربي 2018".

وقبل القفز لذلك، لا بد من التأكيد على أنّ قائمة "فوربس"، لم تكن عشوائية، حيث حكمت الاختيار، ومن ثم التصنيف، معايير تقوم، كما ورد في المقالة، على أوزان نسبية هي:

  • عدد الموظفين
  • عدد القطاعات التي تنشط فيها الشركة
  • عدد الدول التي تعمل فيها الشركة
  • الشفافية
  • تاريخ الشركة

ومما لا شك فيه أنّها معايير، متى ما طبقت بشكل علمي، وموضوعي من شأنها أن ترسم صورة قريبة للواقع لتقويم، ومن ثم تصنيف تلك الشركات. لكن ما هو أهم من ذلك السرد، هي الاستنتاجات التي يستخرجها القارئ عند توقفه عند أسماء، ومن ثم أنشطة، تلك الشركات.

أول الاستنتاجات هي أنّ الشركات العشر الأولى هي شركات عامة تملكها الدولة، ومن ثم فهي - أي الدولة - التي تضع سياساتها، بل وتملك حق تعيين مجالس إداراتها، بما فيها تلك الشركات العامة المدرجة في أسواق المال الخليجية في البلد المعني. ومن هنا فهي تعزز سلطة الدولة في الاقتصاد الوطني، وتبيح لها إحكام قبضتها على آليات السوق واتجاهاته المستقبلية.

ليس ذلك فحسب، بل هي تضمن هيمنة الدول، بفضل ذلك على مفاصل الحياة السياسية، وتصبح هي الموجه الأساسي لحركة المكونات السياسية في البلد المعني، وكفاءة أدائها على الصعد كافة، بما فيها الجانب التشريعي.

وعلى نحو مواز، وهو الاستنتاج الثاني، تكشف أسماء الشركات العشر الأوائل التي تتصدر القائمة، هزالة دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، إذ تكاد أن تخلو قائمة الشركات العشر الأوائل من شركة يملكها القطاع الخاص. ومن ثم فإنّ ثاني تلك الاستنتاجات هو ضعف واضح يعاني منه القطاع الخاص، الذي مهما بلغت ضخامة ثروات أصحاب من يملكون شركاته، لكنها قزمة، وبكل المعايير الاقتصادية، عندما تجري مقارنتها بنظيراتها التي بحوزة الدولة. عدم التوازن المالي، والذي يعكس في جوهره اختلالا في موازين الثقل في الاقتصاد الوطني، يولد موضوعيا تشوها موضوعيا موازيا على الصعيدين السياسي والاجتماعي، يجرد القطاع الخاص وممثليه من عناصر قوة هم في أمس الحاجة لها كي يتركوا بصماتهم الواضحة على التطور الاجتماعي السياسي المطلوب توفره لتحقيق النقلات النوعية التي يحتاجها المجتمع لمواكبة التحولات في إطاراتها الوطنية والإقليمية والدولية المصاحبة. 

أمّا ثالث تلك الاستنتاجات فهو أن أصول تلك الشركات مستمدة من رأسمال اقتصاد ريعي، والاقتصاد الريعي كما تجمع عليه كل الكتابات، ومن بينها ما جاء في مقال للكاتب هاني الجوهرة، هو "بطبعه اقتصاد ساكن غير منتج إلا في حدود قليلة يعتمد فقط على الريع المجني من استخراج أو بيع أو تصدير السلعة على عكس الاقتصاد المنتج الذي يقوم على عمليات إنتاج متسلسلة ينخرط فيها الكثير من الأفراد في تطوير تلك المواد إلى منتجات جديدة كلية. ولذلك فإنّ الاقتصادات الريعية تتسم بوتيرة نمو تعتمد كلية على حاجة الغير إلى تلك السلعة، ومتى ما تم الاستغناء عنها انهار ذلك الاقتصاد والمجتمع القائم عليه، والتاريخ مليء بأنماط مجتمعية ودول زالت بزوال الحاجة إلى المادة الخام التي شكلت اقتصادها الريعي ذلك. بهذا المعنى فإن الاقتصاد الريعي ذو بعد واحد بعكس الاقتصاد المنتج متعدد الاتجاهات - مضيفا في نبرة تحذيرية- "ومن الناحية الاجتماعية يسود الاقتصاد الريعي في تكوينات فئوية .... ونتيجة لذلك فان العلاقات الاجتماعية السائدة في نمط الانتاج الريعي مغلقة بطبيعتها".

ويرفد الاستنتاج الرابع ما سبقه من استنتاجات وهو أنّ نسبة عالية من تلك الشركات غير قادرة على توليد القيمة المضافة التي يحتاجها المجتمع العربي لإحداث النقلة النوعية المطلوبة التي تنتشله من مجتمع يقوم على آليات اقتصاد تقليدي راكد، إلى آخر معاصر، ولا نذهب إلى القول إلى اقتصاد معرفي. فحتى المعاصرة، وهي درجة متدنية في سلم مقاييس الاقتصاد المعرفي، ما تزال تفصلها سنوات فلكية عن الاقتصادات العربية التي تعبر عنها أنشطة الشركات العربية الأقوى التي رصدتها مجلة "فوربس". فتوليد القيمة المضافة المطلوبة لإحداث هذه النقلة التي باتت ضرورية، من المستحيل أن يولدها اقتصاد ريعي، ما تزال تتحكم في نسبة عالية من أدائه سلعة واحدة هي النفط لذا، لا يمكن لاقتصاد دولة يطمح خوض منافسات بنيوية في السوق العالمية أن يحوز على المكانة التي يرنو إليها، طالما استمرت الاستنتاجات الثلاثة السابقة في سيطرتها على آليات أداء الاقتصادات العربية، ولا نقول الاقتصاد العربي.

بقيت ملاحظة، قد تبدو عابرة، هي أنّ العشرين شركة التي تصدرت القائمة، هي شركات خليجية، غابت عنها أسماء شركات عربية غير خليجية. وهذا يعني أن قاعدة الهرم الاقتصادي العربي ما تزال مقلوبة، وبحاجة إلى آلية اقتصادية تعيدها إلى وضعها الطبيعي. قد يعتبر البعض منا طوباوية من يدعو لإنجاز مثل هذه المهمة، وقد يرى فيها البعض الآخر محاولة لإعادة عقارب الساعة للوراء، لكن تاريخنا العربي المشترك يقول ما هو خلاف ذلك.