التواصل وأثره في العلاقات الاجتماعية

مصبح بن علي الكندي

يرتبط اسم عُمان بحضارتها التي امتدت مئات القرون ومع هذا الامتداد اتسعت رقعة المجد والتراث، كما أنَّ التواصل في حياة الإنسان العماني أصالة يحتذى بها ليس على سبيل الحصر وإنما هي جذور بعمق التاريخ العُماني فمن عهد النبي صلى الله عليه وسلم والمشهور عنه "لو أنَّ أهل عُمان أتيت ما سبوك وما ضربوك"، كلمات صدع بها التاريخ الإسلامي إلى علاقات تجارية وحضارية امتدت شرقاً وغربًا عبر القرون شهد لها التاريخ عبقا سطرته أيدي الكتاب وحناجر الشعراء وعيون الزوار وهواجس الأفكار في رمالها وشطآنها وفي حضارتها التي ارتبطت بحضارة اللبان زرعت في نفوسهم حب الإسلام وحب عُمان لم يطأ ساحتهم رسول الله بخف ولا حافر.

أعلنوا أنَّ التواصل مع الآخرين ليس كلمات وإنما هي أخلاق سطرتها أمجادهم السابقة واقتفى أثرها الأجيال اللاحقة عمَّت أرجاء المعمورة من عمان إلى شمال أفريقيا إلى البلدان الأخرى ومع النهضة المباركة التي أرست قواعد التواصل الفكري والحضاري لنعود قليلاً إلى ذلك الزمان الغابر ومع وسائل الاتصال المتاحة في السفر والتنقل والتجارة والبحث عن رغد العيش أكسب العمانيين مع عذوبة كلامهم وسجاياهم أخلاقاً أخرى في التعامل لم يكتب التاريخ عنها سوى أنَّ العمانيين شعب راقٍ بمعنى الرقي أكدت ذلك مصادر محلية ودولية، فهذا ابن طنجة في كتابه وأسفاره يذكر عمان وحضارتها وعمارتها وقيمها وأخلاقها وما شاهده من حياة العمانيين من خلال اختلاطه بهم بحروف من نور، وعلى أثر ذلك اكتسبت عمان حضارة عريقة.

فالتواصل سمتهم وعنوانهم لنتعرف على أسباب ذلك فحياة الإنسان العماني كمثله من البشر يحب التنقل والبحث عن رغد العيش لكنها أكسبتهم عزماً وخلقًا كتبها التاريخ قديما وحديثا فبدايته من السبلة العمانية التي ولد فيها التواصل عنوان الألفة والعمل على مصالح البلد، فاجتماع شيخ القبيلة أو القرية والعمل على بحث سبل المعيشة وغيرها وحل المشاكل والنزاعات، هي تربية أصيلة لجيل عماني آمن بمفهوم التواصل قيمة وخلقاً أكسبت عقله وقلبه حب عمان مع بساطته، كما أن للقلاع والحصون ومجالس العلوم المختلفة والسبلة العمانية أدت إلى بلورة العقل العماني القديم على حضورها فكرا ناضجا فهو يمر كل يوم بمرحلة يكتسب منها تراث الماضي في معاملاتهم حكم فيها عقله وفكره فهو لا ينطق إلا عن فكر واعٍ وتجارب من حياته وحياة الآخرين تعلم فيها فض النزاعات وإعادة الحقوق والشورى ناهيك عن تآلف القلوب، فقد نبذ العمانيون في مجالسهم كلما يصيب العلاقات الاجتماعية حفاظاً على مجدهم وتراثهم فلم نسمع عنهم في جل تاريخهم الحضاري إلا مجدا تراثيا خلفته المدرسة الرستاقية والنزوانية وصاغه تاريخهم انطلق من السبلة العمانية التي أعطت العمانيين منهجا سلكه الجميع في التعاون والعمل الجاد المثمر احتذى به كل عماني سار على نفس الدرب وتعلم منه الآخرون حمله جيل الأجداد ليتسلمه جيل الأبناء ليتعلم مفهوم التواصل الاجتماعي ليكون ملاذا لهم في تكوين شخصية العماني وأخلاقه وأثرها ودورها في إبراز شخصيته وهويته أضافوها إلى تراثهم ومجدهم.

إنَّ العصر الحديث حمل مشاعل الخير أيضاً فهو تراث ومجد يتبع بعضه بعضا ومع تباعد مناطق السلطنة ومحافظاتها لكن الحضارة العمانية لها جذورها ما جعلها محط الأنظار الدولية فسفينة شباب عمان وفلك السلامة وغيرها حملت مشاعل التواصل والحضارة العمانية إلى أصقاع المعمورة فالتواصل صياغة عملية وفكرية علمية مارسها العمانيون منذ القدم أشعلت نبرات شعب صاغه الزمن وصاغ معه حضارتهم وفكرهم وأخلاقهم.

والاتصال مهم جدا حيث إن الأفراد الذين يعيشون في مجتمعات ومع التطور والتغيير المستمر وإثبات الوجود والتأثير يستطيعون التفاهم والتعايش فإنَّ التواصل مع التعايش فن أتقنه العمانيون كقاعدة أساسية للعلاقات والصلات الإنسانية لقوله تعالى (يا أيها الناس إنِّا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) فالاتصال مسألة كونية الوجود لا بشرية خاطب بها الناس أجمعين. فالتواصل معناه بلغتنا الاقتران والصلة والترابط والالتئام وهو عملية نقل الأفكار والتجارب وتبادل المعارف والمشاعر بين الذوات والأفراد والجماعات.

وتعتبر السبلة العمانية سابقاً من الأماكن التي تعنى بتربية أخلاق الفرد في مجال التوجيه والتدريب على اللغة والطلاقة واحترام الكبير وأصبحت الآن معدومة حيث كانت مجلسًا استشاريًا يناقش فيه المواضيع التي تهم البلد أو القرية منظرًا مهيبًا يعنى ببث روح التواصل والاتصال بين كبار السن وصغاره فهي مدرسة للاحترام والتقدير وإكرام الضيف والتعامل مع الصعاب، أما الآن فالناس لا يعرفون السبلة إلا في أفراحهم وأتراحهم ومناسباتهم ولكن أثرت وسائل الاتصال والتواصل في هذا الموروث القيمي. وتتعالى صيحات الشباب لاستعادة هذا المجد الذي له أثر في نفوس العمانيين ومن عايشه منهم في تلك الحقبة فهيا يا أجيال عمان نستعيد ماضينا التليد فهو مجد ورفعة.

والسبلة العمانية مدرسة يتعلم فيها الناشئة التقاليد والعادات المتوارثة من الأجداد حيث تجمع خبرات السنين بل خبرات كبار السن فينقلها صغارهم ولا نعلن الحرب على الناشئة فأكثرهم يعملون خارج أماكنهم وقراهم إذا رأينا أن الاتصال والتواصل بينهم قد ضعف فربما من المعوقات التي تقف أمامهم وأمام اتصالهم ببعضهم أو بتراث الأجداد ووسائل الاتصال الحديثة أيضا لها دور في تقريب مفهوم التواصل.

إن مفهوم الاتصال والتواصل يبقى أثره مع عودة العماني الأصيل إلى تراث أجداده وستبقى وسائل الاتصال الحديثة لها دورها في تقريب الشباب وإبراز دورهم الاجتماعي بإذن الله لنجعله مجدا يمتد منذ القدم في حياتنا بل تراثنا المجيد فهو جزء من ديننا علاوة على القيم التي يحملها العماني، فهنيئا لك عمان بتراثك الذي وجه مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- أيده الله- لحفظه والعناية به وبالسبل المختلفة التي تجمع الأصالة والمجد والتراث فإلى الأمام.

تعليق عبر الفيس بوك