الزمان الفيزيائي في القرآن والتوراة

عادل رشاد جاد – مصر
خبير مناهج تربوية


لعل أكثرنا قرأ الآيات التي تشير إلى خلق السموات والأرض في ستة أيام ولاحظ تكرار ورود عبارة (ستة أيام)، كلما ذُكِر خلق السموات والأرض – فقد تكرر لفظ (ستة أيام مقترنا) بخلق السموات والأرض سبع (7)  مرات – ومنها قوله تعالى في سورة هود: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7].
إن تكرار (ستة أيام) كلما تحدث الخالق عن خلق السموات والأرض لهو اكبر دليل على أن خلق الزمن جاء متوافقا ومرتبطا بخلق المادة والمكان والا ما الحاجة لتكرار ذكر هذه الأيام الستة دون الإشارة لأي الأيام هي على نحو تفصيلي كلما ذُكِر خلقُ السموات والأرض خاصة إنّ اليوم يحسب في ثقافة البشر جميعهم على اختلاف دياناتهم مرتبطا بدوران الأرض حول نفسها وكنتيجة لها، أو هو بحسابات أخرى جزء من 365.25 جزء من السنة والتي بدوها تحسب بدوران الأرض حول الشمس فكيف للقرآن أن يربط بدء خلق الكون والسموات والأرض - والشمس جزء من هذا الخلق- بشئ لم يكن ذا معنى بعد وهو (اليوم)، أو بكلمات أقل؟ وماذا يعني اليوم قبل خلق الشمس والأرض؟ هذا السؤال هو ما يدفعنا للبحث في علاقة الزمن بالمادة.
وليس الحل ببساطة كما رأى المفسرون القدامى أن ذلك جاء "ليُعلِّمنا الأناة والتمهل وعدم العجلة"، أو كما رأى آخرون أنه جاء "ليُعلمنا أنّ لكل شئ توقيته وزمنه الذي ينبغي أن ينقضي قبلُ كسبب لحدوث الفعل"، وربما كان ذلك التفسير راجعا لكون المفسرين القدماء والمحدثين منهم لم يناقشوا في تأويلاتهم في- حالة المحدثين منهم - أو في أزمنتهم - في حال القدماء منهم - قضية (خلق الزمن وبدء الزمن بالمعنى الفيزيائي الحديث) الذي أصبح لايفارق فيه الزمان والمكان بعضيهما لدرجة أن البرت اينشتاين - الفيزيائي المعروف - أنشأ ونحت مصطلحا علميا لم يكن معروفا قبله أسماه (الزمكان) space-time web ، ثم ما لبثت النظريات الفيزيائية الأحدث وأهمها  الكم  والمجال الموحد والـ m- theory  وانتهاء (ربما إلى الآن)  بنظرية كل شئ  every thing theory، وهي نظريات تبارت وما زالت إلى الآن في تفسير خلق الزمان والمادة، ولنا إن جاز التعبير القول: إن القرآن تحدث إلى أناس كانوا عربا بدوا، وإلى أمة كانت في الأصل لا تكتب ولا تقرأ إلا قليلا مما كان من تراث أهل الكتاب؛ بل وكانوا قلة يحصون على الأصابع ويُعرفون بأسمائهم فيحدثهم عن قضية لم تكن لتكتشف، أو تطرح للنقاش إلا في نهايات القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين ومع ذلك فمجرد مطالعة لسفر التكوين، أو بدء الخلق في العهد القديم وأول أسفار التوراة لا نجد أية اشارة لخلق الزمن، بل على العكس تحدث الكتاب المقدس عن خلق تفصيلي للمادة وذكر خلق كل صنف في يومه، مُسلِّما بأن الزمان كان موجودا من قبل دون الحديث عن هذه الستة أيام إجمالا.
وأزعم أن الإجمال كان أكثر تفصيلا للموضوع، ذلك أنه تضمن الإشارة إلى خلق الزمان بالكلية، ولعل هذا السبب وحده كان كفيلا بعدم الاستفاضة في إيضاح هذا الأمر والاكتفاء بالإشارة إليه ولست في معرض المقارنة بين النصين القرآني والتوراتي - فليس هذا موضعه -  لكنني فقط  معنيٌّ بالحديث عن أولية القرآن على غيره من مصادر المعرفة الأخرى المنزلة، أو العقلية الوضعية، ودوره في التنويه إلى هذا الموضوع، وفي جميع الأحوال لم يكن لأحد ليناقش، أو يطرح للمناقشة قضية: (هل الزمان مخلوق أم لا؟)، حتى إن فلاسفة القرون السابقة سواء أكانوا عربا، أو عجما، لم تخطر ببالهم تلك الفكرة؛ بل تحدثوا عنها وكأنها بدهية باعتبار الزمان ليس إلا مجرد تيار مثل النهر الجاري وتحدث الأحداث في مجراه، وكان هذا واضحا في الفيزياء الكلاسيكية والتي قادها اسحق نيوتن وقامت على أساسها الفلسفات المعاصرة في القرن العشرين، وإنه لا يمكن إيقاف هذا الزمن وإنه مجرد إطار للأحداث ذو فئة أعلى في الوجود من المادة التي خلقت داخل هذا الإطار وليس لأحد الحق في الحديث عن هذا النهر ذاته إلى أن جاءت نسبية أينشتاين لتؤكد للعالم أن الزمن له بدء وأنه لا مجال للحديث عن زمان عام لجميع الموجودات؛ بل هو زمان لكل موجود يرتبط وثيقا بالفضاء المكاني وسرعة انتقال الجسم وكثافته وجاذبيته إلى أن جاءت نظرية (الانفجار العظيم) التي طرحها لأول مرة هابل وتعلن بدء عصر التفكير في بدء الكون وبدء المادة والزمن لتسيطر على الفكر العلمي الغربي لأكثر من قرن دون حتى أدني شك، أو مناقشة لمدى صحتها؛ بل فقط تبارى الفيزيائيون في إثبات كيفية حدوثها وآلية ذلك الحدوث، حتى تمادى الفيزيائيون في وضع نظريات تتنبأ بإمكانية عكس الزمان وأن كوننا ليس إلا حالة خاصة من أزمنة أخرى وأكوان أخرى يسير فيها الزمن من المستقبل للماضي وبعضها من الماضي إلى المستقبل ككوننا.
وإذا كان خلق السموات والأرض بدءًا لخلق الكون المعروف، فإن الآيات السابق الإشارة إليها تخبرنا أن الزمن أيضا كانت له بداية ونظريات العلم الحديث إلى الآن لا تفصل بين خلق المادة وخلق الزمن باعتبار أن البداية واحدة.

تعليق عبر الفيس بوك