هـــوية فطــــــور

الحافظ الزبور - مونتريال


في نهاية الأسبوع  ولتغيير روتين الحياة اليومية ..وتكسير تطاول ثنائية شغل /بيت ..قررنا... أنا وزوجتي..تناول الفطور  في مقهى لم نعتد عليه خلال مقامنا الغير طويل في الكيبيك.. دخلنا المقهى  ونحن كلنا حماس ... لاكتشاف "الموني".. لعلنا نعثر على "روسيت" جديدة.. تخالف ما تناولناه خلال ترددنا على باقي مقاهي البلدة.. ولجنا الباب.. باندفاع طفولي... فاشرأبت لنا العيون ..كل العيون.. وضع آخر من أوضاع غير اعتيادية .. تعثرت بنا الخطوات قليلا.. بعد ما أدركنا بعد فوات الأوان.. أننا الوحيدان.. من فصيلة "أسود"  الرأس.. و"أسمر" البشرة .. كل الرؤوس الملتفة حول الطاولات "شقراء" باجساد بيضاء من فصيلة ثلوح كندا الصقيعية  .. الكل منشغل إما بتصفح "الموني" ..أو غاص حتى آخر لقمة سائغة ..تتلقفها الشفاه والأفواه.. مع صمت "قاتم ".. تتخلله نوتات من شوكات وسكاكين.. وبقايا مضغ ..  كلما في الأمر..إن كل المقاهي التي كنا نرتادها لحد الساعة.. نعثر فيها على فسيفساء من بني بشر.. بكل الألوان والملامح.. والنزعات والأهواء ... إلا مقهانا الأخير.. فهو يعج بالأشباه... فالأمر اختلف.. و"تعجن"..لأن المقاهي لا تشبه الشوارع والأماكن العامة.. لأنك يمكن أن تذوب في الشارع.. أوتظهر .. وقد  تراك العيون وقد لا تراها.. أو أن تراها ولا تراك.. لعبة قد لا تتحكم بخيوطها ... فالأماكن المفتوحة.. لا تشبه المقاهي .. المقاهي من فصيلة الأماكن المغلقة مع وجود الفارق .. لابد أن هناك "مشترك " بين مرتاديها..   قد يجمعهم "اللون " أو  "الجنس" أو "اللغة" أو "الدين " أو "الرياضة"... أو الهوايات أو الهويات ..أو مشتركات أخرى لا تدري من أين   .. الحكاية وما فيها ..إنني: أنا وزوجتي.. قبلنا الرهان بمحك.. ونحن نواجه  أقوى لحظات الاندماج في مجتمع اخترناه  بمحض إرادتنا.. مع إن لكل دواعيه ومحفزاته... .لحظة داهمتنا .. وتخطت طقوس عيشنا اليومي المعتاد مع بعض من "مواطنينا "... فنحن  نلتقيهم وهم أهل البلد الموسومين  "بالسوش" أي السكان الأصليون  الذين استقروا جنبا إلى جنب مع السكان الأصليين الفعليين... بفارق اللون والأرض والمعتقد... وتلك حكايات أخرى.. فنرى يوميا .. أهل "السوش " في الأماكن العامة .. وقد نتدافع معهم بالمناكب.... وأحيانا بتبادل النظرات وتقاسيم الوجوه .. ..إلا أن الأمر هذه المرة مختلف ..مختلف تماما ..عن الاعتيادي ..لقد كنا في مأمن من المواجهة الصارخة ..مع اهل البلد..نحتك بهم..لكن ليس لحدود التماس الجسدي العابر للعيون والعقول ..لكن وإن تجد نفسك ..وجها لوجه.. مع عيون وبدلات وملامح وطريقة أكل وشرب وضحكات وهمسات تغايرك .. و في مكان مغلق .. من أجل وجبة  فطور لا غير... فالأمر يتطلب منك.. جهدا قياسيا .. نفسيا وهوياتيا ... في حقيقته "هو" .. مقياس فعال للاندماج من غيره أومن عدمه تماما..
تسلمنا "الموني" ...بجفاء وخفة... تصفحناه وتصفحنا عقولنا وعواطفنا.. وتصفحنا تاريخنا ومستقبلنا .. إلى ماذا سنخلص.!؟؟... أنغادر أم  نعيد تشكيل ما "يميزنا".. تناسل المكان والزمان والعيون المراقبة.. كل ذلك مرَّ أمامنا وبومضة برق.... وبفجأة مغيرة  أعيدت  أسئلة " الهويات القاتلة" لمعلوف... هكذا .. فتطلب منا الأمر... أن مجرد تصفح واختيار لـ"لموني" المقترح بطعم "هم /نحن "... سيتحول  "الاندماج"  من  مزحة أكاديمية.. يروجها الساسة والمعادين.. إلى مجهود نفسي وجسدي - (لحظات تعرق الجسد)-.. على القادمين تجرعه في أي لحظة أو موقف أو وضع أو في حدِّ الأدنى "فطور " مرغوب فيه .. كما حالتنا .. ولأنها مجرد حالة .. لابد من قبول الرهان وتسلم التحدي .. وهذا ما تمَّ بالفعل ودون تخطي رقاب المقيمين أصلا.. فكان  المكوث أجرأ لتدبير الاختلاف .. وأهون لتعطيل الخلاف...

 

تعليق عبر الفيس بوك