كِتَابَة تَخُصُّنِي


هشام محمود – شاعر من مصر


لستُ مُضطرًا إلى كتابةِ قصيدةٍ جديدة،
وبالتحديدِ هذه القصيدة.
        فقط سأغلقُ بابَ غرفتي،
حتى لا تنتبهَ (هاميس) إلى مراهقةِ أبيها
        عندما أدخِّنُ بشراهة
رغم أنني لستُ مُدخنًا.
وربما أتأملُ دوائرَ الدُّخَان،
وأجتهدُ في تشكيلِها لتأخذَ صورةَ الوطن
مربعًا أو مستطيلًا متماسكًا يصعدُ في الهواء
فربما.. ربما يصعدُ،
ويرتطمُ بسقفِ الغرفة.
لن يحدثَ شيءٌ بالطبع..
سوى فجوات صغيرة لن أتبيَّنَ منها شيئًا.
        فقط سيخرجُ الدُّخَان،
ويعيدُ تشكيلَ نفسِه ذاتيًّا.
(هاميس) ابنتي ليستْ بريئةً بما يكفى..
لتلوينِ صور مُجَوَّفة
        لكلابٍ وقططٍ وعصافيرَ وبطٍ،
        وكائناتٍ أخرى.     
هي تحبُّ تشكيلَ كائناتِهَا بنفسِهَا،
ولا أقصدُ بهذا معنى مجازيًّا.
ربما تعيدُ هاجسًا جميلًا حاولتْه أمُّهَا،
ولم يُثْنِهَا عنه إلا حب أبيها.
ما زلتُ لا أحبُّ الورقَ المُلون
أريده دائمًا أبيضَ، طويلًا وعريضًا
كأستاذِ الجغرافيا الذي لم تفلحْ محاولاتُهُ يومًا..
في أن يجعلني أرسمُ خريطة
أوضِّحُ عليها توزيعَ أي شيء في هذه الأرض:
        النفط، القمح، الثروة،
        وربما القمع، والكبت الجنسي،
        ومعدلات الموتِ الاضطراري،
        والوسائل المُتاحة للحزنِ الآمن.
قلتُ له كثيرًا: ليسَ ضروريًّا أن أرسمَ خريطة..
       لهذه الأغراض.  
قال لي: ربما تقفُ مكاني يومًا ما
لتشرحَ لمفعوص مثلكَ توزيعَ الأشياء.
قلتُ له: لنْ أحاول.
أنا أحبُّ الموسيقا وأودُّ أن أصبحَ مايسترو.
عندما كبرتُ قليلًا
تَصَوَّرْتُ أنه في إمكانى..
أن أكونَ شيئًا من هذا القبيل.
والآن أتصَوَّرُ أنني أصبحتُ صورةً
        لا تشبهُ الأصل.
اللهُ يخلقنا طيِّبِينَ، أنقياءَ كالوَردِ،
ثم تقطفُنا يدُ الحياة،
وتلقينا على أرضٍ صلبةٍ أحيانًا،
        وأحيانًا مُتكلسة،
        وربما رخوة؛
لتدوسَنا بعد هذا،
ونصبحَ - كما نبدو الآن -
بشرًا أخِفَّاءَ مُجَوَّفِين.
        تمامًا كالكائناتِ التي ترفُضُهَا (هاميس)
إنها صديقتي الصغيرة..
التي تُشاركني ضحكي عندما يكونُ حالة،
وتوجُّسِي عندما يكونُ رمزًا لمرحلة،
والتجائي إلي نفسي عندما أعجزُ عن فعل شيء.
وأنا أحبُّها
وخصوصًا عندما تقضمُ قلبي كتفاحة،
أو تنكمشُ أمامي مترقبة مِنى إطراقة عابرة؛
لتنقضَّ علىَّ كعصفورة،
وتلتقطَ عشبَ أيامي،
وتجتاحني بموسيقاها العابثة.

 

تعليق عبر الفيس بوك