مصير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بعد سنة

 

 

خلفان الطوقي

 

عانت السلطنة بالتقشف الشديد لمدة ثلاثة أعوام حالها حال معظم دول الخليج العربي نتيجة الانخفاض الحاد الذي أصاب أهم مورد لنا؛ وهو النفط، وتوالت البيانات من وزارة المالية وبمباركة من مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة ومجلس الوزراء الموقر بضرورة التقشّف وإيجاد موارد جديدة للدولة، تبعها رفع الدعم عن المحروقات، وبعض السلع والخدمات المدعومة سابقا، كما تمّ رفع الرسوم على بعض الخدمات الحكومية، وهذه الإجراءات كانت لأجل رفع الموارد المالية للحكومة لسد النقص والعجز الذي أصاب ميزانية الدولة الملتزمة بدفع القروض الخارجية والداخلية وتكملة الخطط التنموية حسب الخطة الخمسية التاسعة الممتدة إلى عام ٢٠٢٠م.

ربما تكون المبررات التي أقرّتها الحكومة عندما كان سعر برميل النفط العماني في الثلاثين دولارا أمريكيا مبررا ومقنعا، أمّا الآن وقد تجاوز السعر أكثر من ٧٠ دولارا أمريكيا للبرميل الواحد؛ عليه يجب طرح حلول ابتكارية مختلفة وعدم الاكتفاء برفع الرسوم وفرض ضرائب غير مباشرة على المؤسسات والأفراد، كما على من يديرون الملف الاقتصادي أن يعلموا بأن زيادة الرسوم والضرائب ما هي إلا موت بطيء للنشاط الاقتصادي في البلاد، وعواقبه السلبية أكثر مما نتصور، ولكن لا يمنع أن تأتي الحكومة وتعلن لنا أن وجهة نظرها هي الصحيحة والمقنعة وأنّها مبنية على دراسات اقتصادية وليست مبنية على قرارات ارتجالية واجتهادات شخصية.

المشاهدات المتكررة التي تسمعها وتشاهدها وتلاحظها هي شكوى التجار وخاصة أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فأي مصير ينتظرهم بعد عام من الآن إذا أقرت الحكومة في يناير ٢٠١٩م رفع الرسوم لمعظم التراخيص والخدمات التي تقدمها البلديات على مستوى السلطنة بعد أن أجلت تطبيقه من هذا العام ٢٠١٨، وماذا سوف يكون مصيرهم لو طبقت الحكومة ضريبة القيمة المضافة كما أعلنت في عام ٢٠١٩؟ بكل تجرد وصراحة، هل يعي من يديرون الملف الاقتصادي أنّ معظم أصحاب هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يوشكون على الإغلاق أو سيغلقون أعمالهم وسيكونون عالة إضافية على الحكومة والمجتمع، وسيكونون أمام المحاكم مع مموليهم من البنوك والمقرضين، ولأنهم يشكلون منظومة مرتبطة مع غيرهم، فبكل تأكيد ستشكل الآثار الاجتماعية والأمنية عبئًا وصداعًا مستمرًا على الحكومة والمجتمع لا يستهان به.

خلاصة الكلام ولكي لا يتشتت الموضوع، لابد للحكومة أن تنظر من منظور شمولي وعدم الاكتفاء بجني مزيد من الإيرادات وإهمال الجوانب الأخرى، فمن وجهة نظري ألا تكتفي الحكومة بالحلول السهلة بفرض ضريبة القيمة المضافة التي تكون في الظاهر أنّها ٥٪، ولكن واقعيا ستكون أكثر من ١٥٪ وذلك بسبب أن أي منتج يمر بسلسلة من اللوجستيات إلى أن يتكون كمنتج نهائي ليصل إلى الزبون، وفي حال إضافة الـ ٥٪ ستكون السيطرة على الأسعار غاية في الصعوبة، وعودة إلى مقترحي فإني أتمنى من الحكومة ممثلة في مجلس الشؤون المالية ومصادر الطاقة  دعوة ممثلي كل من المجلس الأعلى للتخطيط وأعضاء من مجلس الشورى والدولة وغرفة تجارة وصناعة عمان والهيئة العامة للاستثمار تنمية الصادرات "إثراء" ووزارة التجارة والصناعة ووزارة القوى العاملة ووزارة المالية وهيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهيئة المناطق الصناعية ووحدة دعم التنفيذ والمتابعة "تنفيذ" والجمعية الاقتصادية العمانية وبعض المهتمين بالشأن الاقتصادي؛ لمناقشة وتدارس إيجاد حلول غير الضرائب ورفع الرسوم، وتكوين فرق منوعة دائمة مهامها الأساسية تطوير النشاط التجاري لمساعدة التاجر المحلي ليستمر ويتطور، وجعل السلطنة أرضا جاذبة وحاضنة للاستثمارات الخارجية المباشرة من خلال تطوير التشريعات التي تنافس الوجهات الاستثمارية الأخرى وإزالة المُنغصات عنهم ولو بشكل تدريجي لإنقاذ ما تبقى منهم ومن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة.