ما بعد مكونو

 

أحمد بن عيسى الشكيلي

 

ما تزال الجهات المختصة في ميدان العمل مشمرة عن ساعد الجد والعطاء، في سبيل إيصال الخدمات الأساسية التي أحدث فيها الإعصار المداري مكونو أضرارًا بالغة، وقد باشرت كافة الفرق أعمالها برغم الصعوبة التي أحيطت بها في بادئ الأمر إلا أن السير على طريق بلوغ الهدف تتسارع فيه الخُطى.

الآن التساؤل الذي يطرح نفسه دوماً: ماذا بعد مكونو؟ وحقيقة الأمر الإجابة عن هذا التساؤل ليست مجرد أمنيات وأحلام، بل يجب أن تكون أعمالا تبنى على خطط استراتيجية ومنظومة وطنية متكاملة، فالعمل الفردي لا يؤتي ثماره في مثل هذه الأزمات كما شاهدنا قبل وإبان وبعد الأزمة، نحن الآن بحاجة إلى تنظيم أكبر ومدروس مبني على خطط عمل تستشرف المستقبل، لاسيما وأنّ البلد الآن على مشارف العمل بخطة عُمان 2040، والتي يجري الإعداد والتحضير لها من قبل قطاعات مختلفة.

لقد أبدت اللجنة الوطنية للدفاع المدني في السلطنة خلال الإعصار الأخير قدرا عاليا من التعاطي مع مجريات الأزمة بحرفية تامة أشاد بها الجميع، بدءًا من قراءة مؤشرات الوضع العام للإعصار والإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها، وعمليات الإجلاء والإغاثة، والاستجابة السريعة للحوادث التي صاحبت فترة الإعصار، وهذا أدى ولله الحمد للتقليل في الخسائر البشرية التي قد تحدث جراء مثل هذه الأنواء، أما الخسائر المادية فكما هو معلوم ليس من السهل التحكم بها مع قوة الأعاصير.

ما بعد مكونو يجب أن تتحول أعمال إعادة الإعمار للمناطق المتضررة إلى إشراف مباشر من قبل اللجنة الوطنية للدفاع المدني، كونها الجهة التي عايشت الأزمة بكل تفاصيلها، وتعاملت مع الحوادث والبلاغات التي نتجت عنها، يجب على اللجنة بقطاعاتها المختلفة أن تضع المواصفات والمقاييس للمشاريع وإنشاءات البنية الأساسية، كما عليها أن تحدد مواقعها، وتشارك في تحديد مواقع الجيوب السكنية التي تخططها وزارة الإسكان مع الأخذ بأقصى درجات السلامة والبعد عن المناطق المنخفضة والمعرضة للتأثير المباشر من مثل هذه الحالات مستقبلًا، ويجب أن تكون هنالك خطة أخرى للاستفادة من الأودية من خلال إنشاء عدد من سدود الحماية والتغذية الجوفية خصوصًا في المواقع التي يمر بها الكثير من الأودية والتي يؤدي كثرة تدفقها إلى مخاطر يتأثر بها البشر وكذلك البنية الأساسية للبلاد، ولابد أن تكون مراكز الدفاع المدني والإسعاف والمؤسسات الصحية والإغاثية متوزعة على كافة أرجاء المحافظة وفي مواقع آمنة يمكن التحرك منها وإليها دون أن تحول العوائق الطبيعية دون ذلك.

إن هذه الأنواء جاءت لتقول إن زمن العبّارات الصندوقية للأودية الكبيرة لم تعد ذات جدوى، وقد تكون الجسور الحديثة بالمواصفات القياسية العالمية هي الأنسب لبعض الأودية، كما لابد من دعم منظومة الطرق من خلال العمل على إنشاء الطرق البديلة، فصعوبة الوصول إلى الولايات الغربية من محافظة ظفار بعد فترة الإعصار يدفع المخططين ولاسيما هذه اللجنة إلى ضرورة العمل على إنشاء طرق بديلة أخرى قادرة على الوصول إلى هذه الولايات وعدم الاكتفاء بطريقٍ وحيد؛ لأنّ الاعتماد على طريق وحيد يمثل ثغرة أمنية عند التعامل مع إدارة الأزمات، وبالتالي لابد من التعلم من هذه الأزمة سواءً على قطاع الطرق أو الاتصالات أو الكهرباء ، لابد من العمل على الربط الشبكي بين الخدمات من خلال العمل على إنشاء محطات متعددة تغذي المحافظة أو السلطنة بشكل عام.

ما بعد مكونو ينبغي أن يدفع بالمجلس الأعلى للتخطيط لاستقطاب الكفاءات والتجارب العالمية الآن وفي موقع الحدث، ليرى المخططون بأم عينهم الأضرار التي خلفها الإعصار والعمل على تلافيها مع عدم إغفال الكوادر العمانية المؤهلة والقادرة على إحداث التغيير وصنع الفارق نحو الأفضل، فعُمان تستحق منّا الأفضل.

تعليق عبر الفيس بوك