"رسالة إلى زميلي الملحد"


يوسف شرقاوي - دمشق


أحد ضواحي دمشق وعشوائيّاتها..
أيها المحترم، صاحب اللكنة الجادة والعين الجاحظة الحمراء المريضة، لقد قلت لي اليوم بأنك قرد، أو جدّك، اعذرني لصراحتي، لكنني لم أفهم الأمر، ومن قال بأنه لا يعرف ينهي الطريق على الفور، ولا بأس بقول هذا، لكنّ حضرتكم أصررتم على الخوض في الجدل العقيم، وقد حاولتم إقناعي، والآن، بعقلي المضطرب رحت أقرأ بنهم، لا بأس بالبحث، أخبرتكم أن العلم لا يستهويني، لكن كان علي أن أقرأ، واتّضح في النهاية أنّكم لم تفهموا "النظرية" فهي لا تقول مثلما قلتم، وتبيّن بأنكم تحفظونها عن ظهر قلب فقط، وتحفظون أسماء "أسلافنا القرود" كما أخبرتموني، ثمّ رحتم تخبرونني عن النبي، وانتقيتم آية واحدة من الكتاب لتسوّغون بها القول القبيح _ والذي اتّضح مرة أخرى أنكم لا تفقهوه _ سامحوني على عقلي الجاهل، قرأت "النظرية" والذي غلطتم وأخبرتموني أنّها "فرضية" ثم تراجعتم على الفور، وكنتم تدّخنون أثناء صيامنا _ نحن الجاهلون _ كما زعمتم، وقد كنتم تمزحون، يا لمزاحكم! قلتم: الطبيعة تحميك، ورحت أبحث من جديد.
قرأت رسالة تشيخوف إلى جاره العالم، وصرت أضحك، سامحوا جهلي، وها أنا أكتب مثله لأوضح احترامي لكم، فأنتم إنسان مثلنا، وهذا يوجز وجوب الاحترام بيننا.
دعوني أخبركم، لقد قرأت أبحاثاً كثيرة، لم أفهم معظمها، وقلت لكم أن الذي يقول لا أعرف يقص درب العقم من البداية، لكنّكم أنتم أصررتم، وحاولتم إقناعي، وها أنا أحكي مجدداً وسامحوني: يجب ألا تحفظوا النظرية عن ظهر قلب، لا بد من البحث، حضرتكم، وأخبرتموني أنها لم تُدحض، رغم قولي وذكري لعلماء من الغرب قدموا نظريات معاكسة، (تشارلز يوجين جاي) قدّم نظريته أيضاً، كان عليكم أن تقرؤوها، فهي علم مثل علمكم، والعلم أمنا كما ورد في رسالة تشيخوف، هذا مؤسف، أليس كذلك؟
أن تكتشفون في وقت متأخر أنكم حافظون فقط، لا فاقهون وباحثون.
لقد سألتكم عن ذلك الانفجار، فسكتّم وسألتموني عن المقرّر الجامعي، وحين أخبرتكم بعد زعمكم أن "النظرية" تُدَّرس في كل جامعات ومدارس العالم، وقلت أن مدارس كانساس منعتها، وولاية لويزيانا وقرارها، وتطرقت إلى العالم الغربي فقط لإيمانكم الشديد بعلمائهم، وذكرت لكم أسماء علماء وضّحوا سخافة ما قلتم، رحتم تشتمون ما أؤمن به، وهذا معيب، اعذروا جهري بهذا.
أنا لا أكتب لأقنع حضرتكم، فهذا معيب، وأنتم فعلتموه، بينما أكتب لأوضّح أن عليكم القراءة أكثر، لا ذكر أسماء غريبة للقرود تحفظونها وتقولون أنهم أسلافنا.
قلتم أيضاً أن الحلقة المفقودة وُجِدت، لكنكم لم تقدموا لي دليلاً _ سامحكم الله _ إلا الحفريات المجهولة، والآن.. الآن فقط، يقول عالم مرموق بأن داروين _ عالمكم الكبير وقدوتكم _ عندما كان يُسأَل عن هذه الحلقة يجيب: علينا أن نجامع زنجياً مع غوريلا لنحصل عليها.
فكيف هذا، قولوا لي!
اعذروا جهلي وأسلوبي، لكن كان عليكم الفهم قبل الحفظ، هكذا يقتضي العلم!
وسامحوني، سامحوني كثيراً، لكن ربّما، كما يُقال: نظريّتكم سمحت أن يُطلق علينا بالعالم الثالث، وسامحوني لأنني لا أريد أن أعرف منكم، فجائز أن تكونوا لم تحفظوا هذا الجزء.
ها هو القمر يضيء، والمجرّة الكبيرة البعيدة عنّا والتي قلتم عنها أنها يجب أن تكون مسكناً لنا وتحوي شمساً _ ذكرتم اسمها، لكنها الذاكرة فاعذروا جهلي _ وتحوي كوكباً يجب أن يكون لنا، لكنّ أسلافنا نحن، وليسوا أسلافكم، اختاروا هذه المجرّة.
لا أعرف كيف صغتم هذه الجملة، لكنّكم صمتّم طويلاً بعدها، وقلتم بلطافة، بكل لطافة: لتحرسك الطبيعة.
آهٍ منكم ما ألطفكم، وسامحوني _ مرة أخرى _ لكنّه الجهل، هكذا يفعل "بالقرود".
ليس هذا وقت المزاح، سامحوني حضرتكم.
أما الآن فأترك لكم الوقت، يمكنكم أن تدّخنوا، لا بأس بهذا، لكن لكل رأي نقيض، وعليكم احترامه لا شتمه، إن تمكن عقلكم الطبيعي، وإنني أقول أخيراً، بأن هذه لكم فقط، لأن هناك من يبحث بالفعل ولا يشتم، حتّى أنه لا يشبه الغوريلا، تخيلوا هذا.
سامحوني من جديد، ولا أعرف، لا أعرف، أترك لكم العلم والمعرفة، أمّا نحن _ الجاهلون كما قلتم _ سنحاول أن نحفظ النقيض مثلكم، دون فهم، وندلفه دفعة واحدة إليكم.
لا، لا يجب فعل هذا، لا نعرف، فقط، ولكم أن تشربوا الشاي مثلنا.
أقترح على حضرتكم قراءة رسالة تشيخوف، جميلة ومضحكة وتناسبكم، ولطيفة لذوي العلم مثلكم.
وداعاً الآن، وعلّنا لا نلتقيكم من جديد، لا بأس بالجهر والصراحة، نترك لكم سنيناً ضوئية وشمساً تحبونها أكثر من هذه الشمس.
ندعو لكم أن تجدونها وتقيمون هناك، الأشعة أفضل، والطرق أنظف، حتى الشاي أسخن.
وداعاً، وداعاً حضرتكم، وسامحوني واعذروني من جديد.

 

تعليق عبر الفيس بوك