الزكاة قرينة الصلاة وسبب لدخول الجنة والحصول على رحمة الله ورضوانه

 

 

مسقط - صالح الحوسني

الإسلامُ دينٌ متكاملٌ، راعَى فيه جميع احتياجات الإنسان المختلفة، وصدق الله القائل: "ما فرطنا في الكتاب من شيء"، ومن ضِمن ما يحتاجه الإنسان المال لقضاء حوائجه المختلفة، والتي قد لا يتيسر له قضاءها بمفرده؛ فهو بحاجة لمعونة الآخرين، من الأقارب أو الأبعدين؛ لذا كانت هناك بعض الواجبات التي تخص المال في الإسلام لإعطاء هذه الفئات المستحقة للمال؛ لأن المال في حقيقته هو مال الله تعالى الذي جعله وسيلة لقضاء المصالح المختلفة، كما قال تعالى "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم"، وقد حرم كنزه وحبسه عن المستحقين، حين قال: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون"، فشرع إخراج الزكاة بطريقة منصفة لصاحب المال وللمحتاجين على السوء.

والزكاة والتي هي إخراج جزء مخصوص من المال في وقت مخصوص لفئة مخصوصة لها من المكانة والأهمية الشيء الكثير، ومن ذلك أنها الركن الثالث في الإسلام كما في الحديث المشهور الذي جاء فيه أن الإسلام بُنِي على خمس؛ وذكر منها: "وإيتاء الزكاة"، وهو يدل على عظم مكانة هذه العبادة؛ إذ جعلت من مبادئ هذا الدين العظيم.

كذلك، فإنَّ الزكاة قرينة الصلاة، كما هو في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين"، وقوله تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله لعلكم ترحمون"، ولا يخفى على أحد أهمية الصلاة ومكانتها؛ فكذا الحال في الجمع بينهما توجيه واضح لضرورة المسارعة في أدائها وعدم التفريط فيها.

وقد امتدح الله القائمين على الزكاة والمسارعين لأدائها، وقد جاءت الآيات تدل على ذلك بوضوح كما هي الحال عندما أخبرنا عن نبي الله إسماعيل -عليه السلام- وذلك في مقام الثناء عليه بحسن خصاله وكريم فعاله؛ حيث قال سبحانه في ذلك: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا"، وقال في وصف عباده المتقين: "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار"، وذكر الله عباده المؤمنين وعدّد جملة من صفاتهم التي من بينها إيتاء الزكاة؛ حيث قال تعالى: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون".

أما المعرضون عنها، فقد ذمَّهم الله -عزَّ وجل- وقد جاءتْ الآيات والأحاديث مبيِّنة خطورة إهمال هذه العبادة وتركها، كما في قوله تعالى: "وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون". وهنا، نجدُ أن اللوم وقع عليهم بسبب إهمالهم وتركهم أداء الزكاة؛ لذا كان ترك الزكاة سببا لدخول العذاب المهين؛ كما في قوله تعالى: ".. ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين)؛ فهُنا يقع التساؤل من المؤمنين المخلصين لأهل النار عن سبب دخولهم جهنم، فكان الجواب أنهم لم يكونوا من المصلين في الدنيا، ولم يكونوا من المحسنين للفقراء والمساكين، فكانوا لا يزكون ولا يتصدقون مما رزقهم الله تعالى من أموال.

والزكاة سبب لدخول الجنة، والحصول على رحمة الله ورضوانه، كما أرشدتْ إلى ذلك الكثير من الآيات، كما وصف الله أهل الجنة بقوله: "إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم"؛ فهم مع عبادتهم وقيامهم واستغفارهم كانوا يعينون الفقراء والمحرومين من أموالهم؛ فليست العبادة منحصرة في الاستغفار أو الصلاة، وإنما تتعدى لتشمل إنفاق المال على المستحقين.

- الزكاة سبب للسعادة والصحة النفسية: فإنفاق المال للفقراء والمحتاجين وفك كربة صاحب الكربة لها الكثير من الأثر النفسي العميق للمتصدق؛ فالمولى سبحانه وتعالى يُبين لنا في كتابه أنَّ الإنسان جُبل على الجزع وشدة الحرص إن أصابه المكروه والعسر والضيق، وإذا أصابه الخير واليسر فهو كثير الإمساك والمنع إلا من استثناهم من ذلك، وقد ذكر صفاتهم والتي منها أنهم يتصدقون ويخرجون من أموالهم الحقوق الواجبة عليهم، كما قال تعالى: "إن الإنسان خُلق هلوعا إذا مسه الشر كان جزوعا وإذا مسه الخير كان منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"؛ فكانت الزكاة مع الصلاة سببا للخير والسعادة والرضا.

وممَّا سبق عرضه، يظهر لنا بوضوح الخير والفلاح الذي ينتظر القائم على إيتاء الزكاة ودفعها للمستحقين الذين يريدون وجه الله تعالى والخير في الدنيا والآخرة.

تعليق عبر الفيس بوك