متورطةٌ بكَ


زكية المرموق - المغرب


الطريقُ بئرٌ لا عين لها ولا ذاكرة
طالما قلتُ : لا
وأقصدُ نعم
فارمِ دلوكَ أيّها العطشُ
اللغةُ حبلُ قلقٍ
والمعنى جسرٌ بلا أكتاف .
أنا مثلُكِ يا غابةَ الكلامِ
كلّما اشتجرتْ في رأسيَ البروقُ
ألوذُ بالحبرِ حتى سواحلِ الجنونِ
أجرُّ العاصفةَ من شَعرِها
ثم أدورُ حولي وأرددُ :
هذا دمي بريئةٌ أنا منه
وبريء هو مني ..
فلا تنصبي أقفاصك أيّتها السماءُ
كلّما أفردتُ جناحاً للنجوم .

وأنتَ في مفترق الأنهارِ هناك
تراودُ قصيدةً تلبطُ تحت عباءة الليلِ
بموجٍ من الانتظار
ها أنا وحدي
كغصنٍ يابسٍ في موقدٍ مسجورٍ
علمني شواظهُ
أن الرقصَ معك تحليقٌ بلا أجنحة .
وأن ما يجمعهُ الليلُ
يبعثرهُ النهار
فأركضُ ..
أركضُ والبلادُ ورائيَ تركضُ
الأشباحُ والموتى يركضون
القنّاصون والطرائدُ
والبحرُ الذي تيبسَ لونهُ في لحظة المغيبِ
نركضُ حتى ثمالة اللهاث
ثم ننامُ كلنا على سريرٍ واحدٍ
وبين النومِ والموتِ
قبضةُ ضباب .
أنا المأخوذةُ بالحرائقِ
كلّما أشرتُ إلى البحرِ
ضمخني الرملُ بأنفاسهِ الصادية
يقولون : ليس للماءِ رائحةٌ ولا طعم
فلِمَ كلّما تبعني نهرٌ
أستدلُ عليكَ ؟

يحدث أن تحرسَ القصيدةُ ظهرَها
من ذئابِ اللغةِ ،
حين يكونُ الخيالُ رصاصاً
وحروفي بندقية على أهبةِ الجنون
ويحدث أيضاً ..
أن أصادفني دوني فاصاب بلعنةِ الشيزوفرينيا
يحدث أن أصادفني متورطة بي
فأصاب  بفوبيا الأمكنة
ويحدث أن أصادفني متورطةٌ بكَ
حينها ..
أعلمُ أني ما زلتُ على قيدِ الشعرِ !!
قلبي حقل نعناع...

من الممكن جدا
أن يحدث الأمر
كما كنت تردد دوما:
اطمئني... سأرتب الفصول
وفق هزائمنا...
سنكنس عن أرصفتنا جثت
النجوم...

على السؤال فقط
ألا يحمل سكينا
وعلى الجواب ألا يكون طفلا
لم يتعلم بعد المشي على حواف
الكلام...

على المسافة ألا تتحول إلى تابوت
الهواء الى قربان
وهذا العالم صليب.

كان يجدر باللغة
ألا تدلق فائض المعنى
على حقل متعب
وعلى البحر ألا يستعين
بالغرقى
كي يستعيد لونا ضاع في أزقة الفيس
والأساطير على الرمل تجف
على مرمى  من قراصنة علقوا في طحالب الجزر.

الشوق غابة شوك
الآن
كيف أخمد حرائق الليل
والصحو مقبرة
كيف ألبس ذاكرتي
دون أن أتعثر بكفني
وكيف آخذ مرآتي الى حصة تجميل
دون أن أفقد ملامحي
ودون أن يضرم الماء النار
في رفاته
وكيف
كيف أمسك بي
ويدي تنكرني؟

مثل مهرج بدون جمهور
أقف على الخط الفاصل بين الشيء واللاشيء

بين الضحك والبكاء

يتدلى هذا القلب
كتينة أكلت رأسها الطيور
فهل يصلك لبنها
هناك في أرض الله الغليظة
ايها الساقي...

على صدر الربح
أعجن صلصال الاحتمال
بالأرق
أسبق الغيب بالواوات
فالحقيقة جسر مائل
والقارب محض لعبة من ورق...

المسافة بين الحاء والباء
أربع موتات
كل واحدة لا تشبه الأخرى
فكيف أقبض على عصفور المعنى
وسط هذا العراء
دون أن أتوه عن مكان العش؟

نحن أبناء الشمس
لا حاجة لنا بالكلام البارد
ولا بالكلام البائت
فلا تحدثني أيها الناسك
وانت في صحوة السهو
عن مفاتن الجرح
يدي نار
ويد الوقت ثلج
فتعال نرتق الماء بالجمر
عسانا نسافر في خمرة
الضوء.

بين الضلوع موجة نائمة
كلما وصلتها رائحة شفاهك
تحولت إلى سيجارة...

أيتها الستائر
كلما فتحت بابا
نكرتني أبواب
فلم تتوغلين في الصمت
وانا لا تجيدين لغة الإشارات
الصمت وجه آخر الصراخ
الصمت تكية
مفتاحها
لقاء أو وداع...

أنزل قاع البئر
كعالم آثار
بمطرقة
فرشاة
وحبل
أحفر
وأمحو
أحفر
وأمحو
حتى يتفجر في رأسي
نهر
ويحلق اليمام...
أيها الوحي
ما الضوء دون العتمة
وما العتمة إلا حينما يسدل
عينيه.

كساحرة خانتها المكنسة
أختبئ بين شقوق الجدار
أنصت الى موجز الأخبار
وانا أطعم أصابعي لقطط أفكاري
اسمع إسمي كل ليلة يتردد
على صفحة الوفيات
فهل من أحد يوضح لي كيف يأتي الخبر وحده
والمبتدأ في رحلة صيد
في الأهوار؟

ها أنذي أقول ما لايقال
أقتفي أثر العطش بالطوفان
مد قلبك
هذه ليلتنا
سأشعل الشموع
أحضر الحناء
الدفوف
فهيء كؤوس الشاي
قلبي حقل نعناع
و صدرك غيمة.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك