حمود الطوقي
على مائدة إفطار بيت الخنجي، الذي يقع في مطرح -إحدى أهم المناطق وأشهر المدن جذبا للسياحة بمحافظة مسقط؛ نظرا لوجود سوق مطرح الشهير "سوق الظلام"، والذي يستقبل على مدار اليوم المئات من المتسوقين- على هذه المائدة دار بيني وبين رجل الأعمال المعروف عيسى بن ناصر السركال، حوارٌ حول أهمية تطوير الحارات العمانية القديمة، وحارة مطرح على وجه الخصوص؛ نظرًا لما تُمثِّله هذه الحارات الجميلة في طرازها المعماري من قيمةٍ مضافةٍ على النشاط التجاري والاستثماري، وتعدُّ مصدرَ جذب سياحي؛ كَوْن السائح الأجنبي يفضِّل التجول في الحارات القديمة والبحث حتى عن مسكن لإقامته في نزل داخل إحدى هذه الحارات. وهناك العديد من الأمثلة الناجحة لحارات قديمة أصبحت قبلة للسائحين في العديد من الدول؛ ومن الأمثلة التي تحدثنا عنها: حارة "فريج لشيوخ" في المحرف بمملكة البحرين، هذه الحارة زُرتها وهي من الحارات التي طُوِّرت بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، وهذا يعني أن صناعة الثقافة والسياحة من أهم القطاعات التي يُمكن أن تنجح إذا تحققت لها شراكة حقيقية تفتح فيها الحكومة للقطاع الخاص المجال كي يُسهم في تطوير وتحسين هذه الحارات من منطلق مسؤوليته الاجتماعية، بما يعكس الاهتمام المشترك في تطوير المنتج الثقافي والسياحي، وأبعاد ذلك التأثيرية داخليا وخارجيا.
وفي السلطنة، ما أكثر الحارات التراثية المتميزة ذات التصميم المستوحى من العمارة العمانية التقليدية. وللأسف لم تلقَ ذلك الاهتمام؛ سواء من قبل الأهالي أو الحكومة، وأصبحت من الأطلال، ومع الوقت رُبما ستذهب وتذوي معها الذاكرة، وسترحل تفاصيل كان ينبغي الإمساك بها توثيقا وتدوينا وتسجيلاً؛ لكننا في الوقت ذاته نتساءل عن غياب الاهتمام بهذه الحارات الثراثية، وغياب المبادرات الأهلية والمجتمعية والقطاع الخاص، وجهات الاختصاص عن تفعيل الجوانب الثقافية والسياحية، وفتح المجال للشرائح الاجتماعية كي تجد فيها مُتنفسها، كما يجد السائح ذاكرة يعبِّر من خلالها عن خصوصية المكان وثقافته.. نتساءل أيضًا: لماذا المنتج الثقافي والتراثي مُهمل، بينما نرى الشركات تتنافس على تطوير الفنادق، والمنتجعات السياحية، والقرى الإسكانية الاستثمارية...وغيرها من الجوانب التي يضخ فيها القطاع الخاص ملايين الريالات العمانية، إن كان لا بد من الدعوة المباشرة لكبريات شركات القطاع الخاص، فلرُبما يقع على عاتق الحكومة فتح باب المناقصات لإنشاء حارات تراثية ذات أبعاد مختلفة في الوقت ذاته، وأن تتَّسع الدائرة لتشمل المحافظات كلها، وجدولة الزيارات السياحية الخارجية؛ بحيث تمرُّ عبرها لتقرأ تاريخ السلطنة عبر نماذج تلك الحارات، وإن أمكن صناعة ذلك فليكن؛ فللتاريخ العماني خصوصيته التي ستدفع السائح إلى المشاهدة، كما أنها ستشكل مَوْئلا للوعي والالتقاءات الاجتماعية في الإجازات والفعاليات الاجتماعية والوطنية، بل يُمكنها أن تكون حاضنة اقتصادية تفتح أبوابَ رزق للراغبين.
إنَّنا، ومن خلال هذا المقال، نأمل من الجهات الحكومية النظر إلى مشاريع الحارات التراثية نظرة جادة؛ لما لها من أهمية تنضوي عليها هذه النوعية من المشاريع، ويُمكن للحكومة أن تتحمَّل جزءا من الكلفة بالتشارك مع القطاع الخاص، الذي يأخُذ ما يأخُذ دون مقابل تستفيد منه الحكومة بشكل مباشر، ومن أجل السياحة النوعية التي ستترك أثراً لدى السائح الأجنبي، فضلا عن أنها ستكون ذات فائدة ملموسة وحقيقية للسياحة الداخلية، هذه الحارات حتما ستنتعش من خلال بناء المطاعم والمقاهي ذات الطابع التقليدي، والمكتبات لرفع الوعي المعرفي، والمحلات التي تبيع التحف والهدايا الاستهلاكية، وقاعات للحفلات والاجتماعات...وغيرها من الأنشطة لممارسة الأعمال التجارية والثقافية، نأمل إعادة النظر فيما نأمل ونتمنى.
وقبل أن أختم، أتساءل: أين وصل المقام إلى شركة "تراث"، التي أُعلن عنها، وأنها ستكون الذراع الحكومية في الاستثمار في كل ما هو قديم من قلاع وحصون وحارات؟