علــى صفحـــة الغــــبار


نبيـــه شعــبــــو – ســـوريا


أحسَّ أنّه منسيّ في تعاريج العمر..... والدروب بعيدةُ إلى منتهى الذاكره.... كأنَّ الدفء ترمّدَ في موقد البرد وبدأت الروح تصتك من عُريها.... في غمضة جفنيه  تراءى له  أن هناك  عباءة  من بقايا طفولته ما زال الحنين يُعتَصر من خيوط  ذاكرتها..... يوم أسرج  على صهوة  تلك القصبة  الطويلة وجال في مضمار البيت الطيني  وجرّد حسام صوته الطفوليّ وهو يردد عبارة حفظها عن جدته "كش .. كش ... يا فأر... راح شباط وجاء آذار" كان بودّه  أن لا يتّرجل عن صهوة  فرسه هذه ... وأن يعبرَ بها حواجز السنين إلى حاضره ليكشَّ سراب الانكسارات وركام الغبار الذي تطاول على الأشياء من حوله.... لكنّه فتح عينيه...
أجل  لقد ترجلَّ وتبعثر التعب فوق ركام  تنهيدة العشقِ .... وضفاف أوجعها الزبد.... نهضَ.. سحب ملء شعاب رئتيهِ دخان سيجارته قبل أن يغمسها في قاع فنجان قهوةٍ منسيّ على الطاولةِ... اقترب من  صورة عُرسهما... حدّق ملياً كأنه يبحثُ عن شيء مخبأ خلف تلك الألوان الباهته.... وبطرف سبابته خَطَّ على صفحة الغبار التي لبست شفافية الزجاج عبارة لازمت رسائله إليها ذات عشق "أعرفُ أن حروفي  تصبح نوراً إذا ما كتبت إليك وعنكِ".
ثم فتح الباب ورمى بجسده خارجاً.... لحظات قصيرة دخلت البيت المعبأ بسحب الدخان خاطبتهُ.... تأكدت أنه خرجَ... استرخت على المقعد نفسه...
وقع نظرها على الكلمات المخطوطة فوق صفحة الغبار... تنبَّهت ... وقبل أن تبدأ قوافل الذكريات بالمرور على دروب مخيلتها... أسرعت وأحضرت منديلاُ لتمسحَ الغبار عن  أثاث البيت .... وقفت أمام الصورة طويلاً ... كلمّته بالهاتف: تعال التقط  كلماتك عن زجاج الصورة  قبل أن تقع  على الأرضِ لأنني سأمسح الغبار.

 

تعليق عبر الفيس بوك