إعصار عابر ووطن ثابت

 

مسعود الحمداني

(1)

انتهى "مِكونو".. ولم تنتهِ آثاره، جاء بشراسة، ورحل مُخلِّفا خسائر لم تحصَ بعد، هبَّت عُمان من أقصاها إلى أقصاها كي تخفف معاناة أهلهم في محافظة ظفار، وكثرت صور "فاعلي الخير" في وسائل التواصل الاجتماعي، منهم من يريد أجرا، ومنهم من يريد صيتا، وخرج بيان مجلس الوزراء الموقر ليشيد بالجهود دون أن يقدّم خططا أو حلولا، وليت المجلس يدرس بياناته بدقة أكبر قبل أن يصدرها، خوفا من أن ينقلب الأمر إلى عكس ما يريده أعضاؤه الموقرون؛ فبيان المجلس يعتبر ذا ثقل كبير في مثل هذه الظروف، وكان من الأحرى أن ينتقل أعضاء المجلس إلى موقع الحدث كي يعطوا للناس دفعة معنوية عالية في هذه الأحوال الطارئة؛ فدور المجلس ليس الاكتفاء بإصدار البيانات، لكنه يجب أن يكون قدوة عملية للجميع في مثل هذه الحالات الاستثنائية التي يمر بها الوطن، وهذا هو الدور الوطني الأهم الذي يجب أن يحرص عليه مجلس الوزراء وأعضاؤه الموقرون في مثل هذه الظروف.

 

(2)

البعضُ استغلَّ الظروف الصعبة التي أعقبت الإعصار ليُصدروا بياناتهم وتغريداتهم -بعضهم ببراءة وآخرون بخبث- للتحريض والتشكيك في جهود الحكومة، وقبل أن يبدأ الحدث بالتلاشي، وقبل أن يفيق الناس من الصدمة قام البعض ببث سمومهم، في محاولة لاستغلال عواطف المجتمع وحالة الذهول التي انتابتهم، لكي يعطوا انطباعا بأن هناك تباطؤا وتلكؤا من الحكومة في مد يد المساعدة للمواطنين!!!

وأعتقد أنه في أكثر الدول تطورا وجاهزية، لا يمكن أن يتم العلاج بتلك السرعة (السوبرمانية) فإعادة الإعمار تحتاج إلى وقت ومال وجهد، وهذه أمور لم تبخل بها الحكومة ولم يتوانَ عنها كثير من جهات القطاع الخاص (المسؤولة)، فكما يُقال "إن البناء يحتاج إلى سنوات، بينما لا يحتاج الهدم إلا لدقائق"، وهذا ما أثبته "مِكونو".

 

(3)

الإعصار كشف عيوب البنية الأساسية في محافظتيْ ظفار والوسطى، تماما كما فعل "جونو" حين ضرب محافظة مسقط في العام 2007م، ولعل دروس الأعاصير أبلغ من تقارير الخبراء والاقتصاديين؛ فهي تكشف عن سَوْءة التخطيط، وتضعه في مواجهة مباشرة مع الوقائع، وهي بالطبع ليست دروسا مجانية، بل يدفع لها المسؤولون والحكومات والشعوب ملايين من أموال الخزانة العامة للدولة، وتزيد من أعباء البلد؛ لذلك يجب أن لا نكرر الأخطاء التخطيطية للبنى الأساسية، بل على الحكومة أن تراقب مشاريعها بشكل أكثر دقة وحرصا، وعلى القطاع الخاص -المنفِّذ- أن يراعي الله والضمير والوطن، فهذه الأموال هي ركيزة من ركائز استقرار المجتمعات والدول، و"رحم الله الأعاصير التي تهدي للحكومات عيوبها".

 

(4)

"احرص على الموت توهب لك الحياة".. رجال شجعان ضحُّوا بأرواحهم من أجل إنقاذ حياة غيرهم، هكذا هم الخالدون الذين ينيرون الطريق أمام الآخرين.. هؤلاء هم الذين يستحقون الحياة والخلود. رحم الله شهداء الواجب والحق، وكل روح أُزهقت في هذه الأنواء وأمثالها، وأدخلهم الفردوس الأعلى، وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.. وحفظ الله البلاد والعباد من كل شر ومكروه.

Samawat2004@live.com