بين جونو ومكونو.. استشعار للمسؤولية وثبات في المواقف

عبدالله اللويهي

من عَايش الحالة المدارية "جونو" قبل أكثر من عشر سنوات، حين اختطف هذا الإعصار -وعلى حين غرة- مسقط العامرة، التي لم تعتد العبث بمقدراتها، وشاهد تلك اللحمة الوطنية التي ضربت أروع الأمثلة في التكاتف، يدرك بما لا يدع مجالا للشك كم هو الإنسان العماني مثال للإيثار والتضحية والبذل والعطاء.. حين يتعلق الأمر ببيته الأول عمان الحاضر والمستقبل.

لتمرُّ البلاد بحالة مدارية أخرى (فيت) الذي لم يزد أبناء عمان إلا رسوخا، أن ما سيدمره الإعصار ستعمره سواعد أبناء الوطن بأفضل مما كان عليه.

مايو 2018م أرادتْ المشيئة الإلهية أن تَعْصِف الأعاصير هذه المرة بمدينة أخرى من مدن الأمان والسلام، حين قض إعصار "مكونو" مضاجع أرض اللبان. هذه المحافظة التي تتهيأ لتكون عروس الجزيرة العربية وهي تكتسي الرداء الأخضر، تنثر رذاذ الخريف لكل من لفحه وهج حرارة الصيف، وستكون بإذن الله بعزيمة أبنائها.

"مكونو" لم يكن هذه المرة عاديا حين أغرق صلالة بكميات أمطار فاقت الخيال، وتجاوزت تلك الدول التي اعتادت الأعاصير والفيضانات.

جاء "مكونو" ورجال عُمان قد تخرَّجوا من المدرسة السلطانية بمرتبة الشرف. نقشوا على صدورهم الشعار الراسخ "الإيمان بالله.. والذود عن الوطن.. والولاء للسلطان".

نعم مرَّ الإعصار على ظفار، لكنها كانت مستعصمة بحبل الله المتين، وبأسود أبناء عُمان البررة؛ حيث انبرت محافظة مسندم الغالية وأبناؤها يؤثرون على أنفسهم يجودون بالغالي والنفيس لتعود سدح ومرباط وما جاورهما كأفضل عما كانت قبل الإعصار.

ويرسم أبناء محافظة البريمي صورة من صور نخوة العماني الأبي حين يتناولون سحورهم في صعراء وحارة المطار، وليقطعوا البيداء ليتقاسموا لُقمة الفطور في جبل سمحان وبين أهلهم في ضلكوت ورخيوت، ليقولو لهم: "لستم وحدكم، فعمان جسد واحد".

وينبري ابن الظاهرة والباطنة ومسقط يُسابق الريح، يشمِّر أبناؤها عن سواعدهم وهم يمسحون آثار الإعصار عن أزقة صلالة وطرقاتها، ويزيحون تلك الأحجار العالقة في طريق شلالات دربات طاقة.

وتجود أيادي أبناء الداخلية والشرقية والوسطى بسخائها وكرمها؛ عونا وسندا لأهلهم في المزيونة ومقشن وشليم، ولسان حالهم يقول من امتدت جذوره إلى عهد من انتصر لابنة سقطرى وهي تستغيث. ومن قطع السلاسل البحرية ليرفع الحصار عن البصرة فلا خوف عليه إذا تعرض لنكبة أو أنواء مناخية؛ فعمان سلسلة مترابطة أشداء على الكفار رحماء بينهم.

"مكونو".. أتيت بهزيم ريحك التي اقتلعت كل شيء، وبوابل المطر الذي غمر واجتاح المكان، ومع ذلك فعين على ظفار المجد والإباء وقلب يخفق لسقطرى ومحافظة المهرة في اليمن الشقيق ليضرب أبناء عمان أروع مثال في الوقوف مع الجار عند الأزمات، فخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره.

هنيئا لقائد عُمان شعبًا تشرَّب من فكر مستنير، لا تزحزحه المحن، ولا تزيده الإحن إلا رسوخا وثباتا.

رحل "مِكونو" ليرسِّخ قيم المواطنة الحقيقية بين أبناء عُمان، غادر.. وعُمان -كل عُمان- نبض واحد.

تحيَّة لحُمَاة الحق وهم يُلقنون درسًا مجانيًّا بأنَّ الزي العسكري لا يرتديه إلا رجالاته، بتضحياتهم وبطولاتهم التي وَقَف لها المغرِّدون من داخل وخارج السلطنة إجلالا وتقديرا واحتراما.

فهم لها، فأوسمتهم ونياشينهم نقشت على صدورهم قبل أن تعلق على أكتافهم عنوانيها: "نحن أحفاد جيفر ومازن والمهلب.. صناديد في الوغى، ملبين النداء".

تعليق عبر الفيس بوك