أخــــــــيرًا


أسامة حداد – شاعر وناقد مصري

 

أطأ فراغاتٍ كبيرةً،
وأقضم الهواء بأسنانٍ هشةٍ،
هذا ما أحاول إنكاره ،
فمغامراتي بائسة،
وأحلامي من الصعب إصلاحها،
النسيم يرقص مع خصلةٍ تتأرجح،
فى هواء أحاول العزف - من جديدٍ - عليه،
وثمة أغنيةٌ تتساقط من أصابعي،
عن ثورةٍ هاربةٍ
ومقامرٍ يتعثر فى رهاناته،
بلا فائدة...

كانت هذه الاعترافات قد كتبت بعيدًا عن غرف التحقيق، والصلوات، وأتشكك دائمًا أنها لشخصٍ آخر، وقد أخبرني عرافٌ أنها لشخصٍ عشوائي، وهو يقلب الفنجان ويبحث عن صورٍ ضائعةٍ داخله، وأنا سعيد بمواصلة الخديعة، خاصة أن هذه الاعترافات جاءت مكررةً، ساذجة وعادية جدًا، لم تغير طبيعة الكوابيس التى أجدها كل ليلة، وأقف أحيانًا الأسواق لبيعها، وأعود ببضاعتي كاملة .
هذا وقد عثر الصبية بعد سنواتٍ على أوراقٍ يرجح أنها تخصه، أثناء عبورهم شجرة فى ليلة معتمة، وبعد ترميمها، تمكن البعضُ من قراءةِ صفحاتٍ قليلةٍ لخطاباتٍ كان يكتبها لنفسه، ويقذفها فى صندوق بريدٍ مرة، وفى النهر مراتٍ، وكثيرًا ما يتركها فى أمكنة عجيبة، أو يستعملها كلفافات  لأشياءٍ عجيبةٍ، كما عثر عمال النظافة على خطابات عديدة، وبعد فحص مجهري، واستخدام أنواع جديدة من الأشعة، وشكوك الأجهوة الأمنية، مع تداول صورته، اعتقال أشباهه، والإعلان عن جوائز عديدة لمن يعثر عليه كأرهابي محترف، ظلت مجهولة، إلى أن تمكن مثيله العشوائي من القراءة، ونشر صوره فوق حبال الغسيل مع الأوراق التى جاء بها، حسبما يذكر الرواة...

ادفع الفيلسوف جانباً،
وانطلق ...
واصل عدوك ،
استمر فى اللهاث،
ستجد لوحاً رخاميًا عليه اسمك،
وخلفه جسدك،
كما تتركه كل صباحٍ،
حين تخرج شجرةٌ من طبق الفول،
واصل إفطارك على غناء طيورها المشوية،
واستظل بغصونها المحترقة،
وانظر إلى مستوقدٍ فى نهاية الشارع،
واكمل رغيفك لا تخرج جائعًا...

لا تندهش من شبحٍ جوارك،
لديه الشك فى أصابعك،
يقسم أنك أطلقت النيران
على جسده مراتٍ عديدةً،
بعضها خطأ،
وبعضها على سبيل المزاح...
حاول أن تكون صديقه،
دعه يحكي عن ملامحك الشبيهة بقاتله ...

ارتباكك لا مبررله،
والجميلة تتأبط ذراعك...
انطلق فى اعترافاتك وادخل التجربة...
لا تكن العاشق الفاسد الذى تعرف،
فأنت مغرمٌ بالجنون والحماقة،
تعشق مثلما تتنفس،
والرقيقة تجسد أحلامك،
فأي روعة هى!
   
أريدك أن تكون بطلًا،
ولو فى مسرحيةٍ هزليةٍ،
فالحروب التى خضتها فاسدة،
والتماثيل تكبر فى مواجهنك،
المصابيح تنبت من جديدٍ،
ورهانتك مزعجةٌ تصرخ من ورائك ....

أريدك  عاشقًا،
تقتنص القبلات من شفاه الجميلات،
وتسرق الحلمات من النهود،
وتنسي غريباتٍ عبرن سريرك،
و مجهولةٌ تتجول فى زحام ذكرياتك،
لم تكن ضحيًة، وألعابكما البدائية كان لابد منها....

أريدك أن تكون مغامرًا...
يتحرك مع ظله فى اتجاهاتٍ متناقضةٍ،
ويظهر فى مدنٍ عديدةٍ،
شبيهًا بملوكها الغائبين،
أو يعمل وحده كفرقةٍ متجولةٍ،
أو أوركسترا تعزف  ضربات القدر،
وتتأبط ذراع  الملكة فى أخر الليل،
مطالبًا بأحقيتك فى العرش،
وأنت تقدم رؤوس القراصنة فى علبٍ أنيقةٍ،
وأجساد الجنرالات فى ثلاجة عرضٍ،
وتحتال على أشباحٍ لا تخصك....

أريدك شاعرًا حداثيًا،
تصب الدهشة فى أكوابٍ مهشمةٍ،
وتحترف الجنون كسكيرٍ كلاسيكي،
تطهو كلماتٍ جديدةً،
لا تجد من تقدمها إليه،
وأنت تتطوح بأطباقٍ فارغةٍ،
تعلقها مرةً على المشاجب،
وتارةً تثبتها  بالمسامير فى العاصفة
دون مبالاة بما يخطر بذهنك،
من أغنيات مقلوبة
كل ما عليك أن تربط الحروف بخيوط ممزقة
وتنتظر ....

ما المشكلة فى عودتك طفلًا ؟
أليس هذا حلًا ملائمًا للتخلص من ذاكرةٍ تؤرقك ؟
ووسيلةً لتعيد حياتك كما عشتها تمامًا !
- هذه سخرية تصلح فى برامج التوك شوك
على إيقاع موسيقى تيتانيك،
وطريقة للعمل مع توم وجيري
وفى الحقيقة لا أريد هذا...

لا كل هذا ليس ضروريًا،
حاول أن تثير الفزع كلصٍ يحمل بندقيةً،
أو ملكٍ يقيم حديقةً على أنقاض البيوت،
ويضع الشوارع فى مقلاةٍ،
والقطارات فوق شعلةٍ تكبر،
ويشرب النبيذ كل ليلةٍ فى جماجم ندمائه،
ويراهن على أصطياد الأجنة بمهارةٍ فائقةٍ....
كن سفاحًا وقاتلًا ولو لساعةٍ واحدةْ...

-    كم  الساعة الآن ؟
- ستون دقيقةً
- كانت كذلك منذ سنواتٍ
والليلة مضت معتمةً تمامًا،
و الأفضل أن تموت بلا ضجيج أو شاهدٍ،
وبلا جنازةٍ كذلك ....
وبالرغم من هذا فقد شوهد فى أمكنةٍ عديدةٍ، وتمكن البعض من تسجيل خطواته المبعثره، ونشرت على موقع اليوتيوب، كفقرة هزلية، حظيت بسخرية المشاهدين، ونال كمياتٍ هائلة من الشتائم، صار بعدها  مثل كوابيسه متاحًا للمشاهدة.....

 

 

تعليق عبر الفيس بوك